للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ: دَعُونِي، فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيرٌ، أُوصِيكُم بِثَلَاثٍ: أَخرِجُوا المُشرِكِينَ مِن جَزِيرَةِ العَرَبِ،

ــ

وقوله أوصيكم بثلاث نصٌّ في أنه أوصى عند موته، وهو مخصِّصٌ لقول مَن قال: إنه صلى الله عليه وسلم لم يوص بشيء - وقد تقدَّم ذلك.

وقوله أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، يعني بالمشركين اليهود؛ لأنه ما كان بقي مشرك في أرض العرب في ذلك الوقت غيرهم فتعيَّنوا، وقد جاء في بعض طرقه أخرجوا اليهود من جزيرة العرب مفسّرًا.

والجزيرة: فعيلة بمعنى مفعولة، وهي مأخوذة من الجزر وهو القطع، ومنه الجزار والجزارة من الغنم، والجزور من الإبل - كل ذلك راجع إلى القطع.

وسُميَّت أرض العرب بالجزيرة لانقطاعها بإحاطة البحار بها والحرار، وأضيفت إلى العرب لاختصاصهم بها ولكونهم فيها ومنها.

واختلف في حدِّها؛ فقال الأصمعي: هي ما بين أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول، وفي العرض من جدِّة وما والاها إلى أطراف الشام. وقال أبو عبيد: هي ما بين حفر أبي موسى الأشعري إلى أقصى اليمن، وما بين رمل يَبرِين إلى منقطع السَّماوة. وقال المخزومي عن مالك: هي مكة والمدينة واليمامة واليمن. وحكى الهروي عنه: المدينة - والأول المعروف عنه، فقال مالك: يخرج من هذه المواضع التي ذكر المخزومي كل من كان على غير دين الإسلام، ولا يمنعون من التردُّد بها مسافرين - وكذلك قال الشافعي، غير أنه استثنى من ذلك اليمن ويضرب لهم أجل ثلاثة أيَّام كما ضربه لهم عمر حين أجلاهم. وقال الشافعي: ولا يدفنون فيها موتاهم، ويلجؤون إلى الدَّفن بغيرها. وقد رأى الطبري أن هذا الحكم ليس خاصًّا بجزيرة العرب؛ فقال: الواجب على كل إمام إخراجهم من كل مصر غلب عليه المسلمون إذا لم يكن من بلادهم التي صولحوا عليها، إلا أن تدعو ضرورة لبقائهم بها لعمارتها، فإذا كان ذلك فلا يدعهم في مصر مع المسلمين أكثر من

<<  <  ج: ص:  >  >>