للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أُشهِدَكَ عَلَى الَّذِي وَهَبتُ لِابنِهَا! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: يَا بَشِيرُ، أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَم. فَقَالَ: أَكُلَّهُم وَهَبتَ لَهُ مِثلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَلَا تُشهِدنِي إِذًا؛ فَإِنِّي لَا أَشهَدُ عَلَى جَورٍ!

ــ

تنبيه: مِن أبعد تأويلات ذلك الحديث قول من قال إن النهي فيه إنَّما يتناول من وهب ماله كلَّه لبعض ولده، وكأنه لم يسمع في الحديث نفسه إن الموهوب كان غلامًا فقط، وإنما وهبه له لمَّا سألته أمُّه بعض الموهبة من ماله، وهذا يعلم منه على القطع أنه كان له مالٌ غيره.

وفي هذا الحديث ما يدل على الاحتياط في العقود بشهادات الأفضل والأكبر، وعلى حضِّ الأب على سلوك الطرق المفضية بابنه إلى برِّه، ويجتنب ما يفضي إلى نقيض ذلك.

وفيه دليل على أن حَوز الأب لابنه الصغير ما وهبه له جائز، ولا يحتاج إلى أن يحوزه غيره؛ فإن النُّعمان كان صغيرا، وقد جاء به أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحمله.

قال عياض: ولا خلاف في هذا بين العلماء فيما يعرف بعينه. واختلف المذهب فيما لا يعرف بعينه - كالمكيل، والموزون، وكالدراهم - هل يجزئ تعيينه والإشهاد عليه والختم عليه في (١) الحوز أم لا يجزئ ذلك حتى يخرجها من يده إلى يد غيره؟ وأجاز ذلك أبو حنيفة وإن لم يخرجه من يده.

وكذلك اختلف في هبته له جزءًا من ماله مشاعًا.

قلت: وهذا الحكم إنما ينتزعه من هذا الحديث من حمل قوله فارجعه على الاعتصار.

واختلف العلماء فيما لم يقبض من الهبات هل تلزم بالقول أم لا حتى تقبض؟ فذهب الحسن البصري وحمَّاد بن أبي سليمان وأبو ثور وأحمد بن حنبل إلى أنَّها تلزم بالقول ولا تحتاج إلى حوزٍ كالبيع، وقال أبو حنيفة


(١) في (ج ٢): عن.

<<  <  ج: ص:  >  >>