للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ابن حزم، وعبد الله يعاتب محمدًا - وهو يومئذ قاض - يقول له: ما لك لا تقضي بحديث ابن شهاب في العُمرى؟ فقال: يا أخي! لم أجد النَّاس عليه، وأباه الناس. قال مالك: ليس عليه العمل، ولوددت: أنه مُحِي. وعضدوه أيضًا بأن قالوا: الأصل بقاء ملك المعطي للرَّقبة بإجماع، ولم يرد قاطع بإخراجه عن يده قبل الإعمار (١)، وتأولوا جميع تلك الظواهر الواردة في الباب.

وأما أهل القول الثاني: فظواهر الأحاديث معهم، غير أنَّهم لا يُسلَّم لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطل شرط العمر؛ لأنَّه لو أبطله لبطلت العمرى بالكليَّة، ولامتنع إطلاق ذلك الاسم عليها، ولم تبطل؛ لأن الأصل في شروط المسلمين صحتها وبقاؤها بدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم) (٢) ذكره أبو داود وغيره عن أبي هريرة.

فإن قيل: هذا من الشروط التي قد أبطلها الشرع بقوله: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) (٣)، قلنا: لا نسلّم: أنَّه ليس في كتاب الله؛ لأن كتاب الله هنا يراد به: حكم الله؛ بدليل السبب الذي خرج عليه الحديث المتقدَّم. وقد تقدَّم في العتق. ثم يلزم على هذا إبطال المنحة، والإفقار، والعارية، فإنَّها كلها عطايا بشروط، وليست كذلك باتفاق. فإن قيل: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن أبي ذئب في موطئه من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه قضى فيمن أعمر عُمرى له ولعقبه: فهي بتلةٌ لا يجوز للمعطي فيها شرط، ولا مثوبة. وهذا صريح في إبطال الشرط. فالجواب: إنا لا نسلم: أن هذا الشرط المنهي عنه هو نفس الإعمار في قوله: هي لك عمرك؛ لأنه لو كان كذلك لبطلت حقيقة العمرى، كما قلناه، ولأنه لو بطل ذلك لبطل قول المعطي: هي لك سنة من عمرك، ولم يبطل بالاتفاق، فلا تبطل. والجامع بين الصورتين: أن كل واحد منهما إعطاء ذكر فيه العمر. وقد قال


(١) زيادة من (ج ٢).
(٢) رواه البخاري (٣/ ١٨٧) تعليقًا، وأبو داود (٣٥٩٤).
(٣) رواه أحمد (٦/ ٢١٣)، والنسائي (٦/ ١٦٤ - ١٦٥)، وابن ماجه (٢٥٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>