القاسم بن محمد: ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم (١). ومما يتمسكون به قوله صلى الله عليه وسلم:(لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث) فقد صيَّرها ملكًا؛ لأنه لا يورث عن الإنسان إلا ما كان يملك. ويجابون عن ذلك: بأن اللفظ ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من قول أبي سلمة بن عبد الرحمن؛ كما قد رواه ابن أبي ذئب عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، وذكر الحديث المتقدِّم، فلما فرغ قال: قال أبو سلمة: (لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث). ولئن سلم ذلك؛ فإنما جاء ذلك من حيث ذكر العقب، فيكون فيه حجة لأهل القول الثالث، لا للثاني.
وأما أهل القول الثالث، فكأنهم أعملوا الاسم فيما لم يذكر فيه العقب، وتركوا مقتضاه، حيث منع منه الشرع. وكأنهم جمعوا بين الاسم والأحاديث التي في الباب. وقد شهد لصحة هذا رواية من قال عن جابر: إنَّما العُمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: هي لك ولعقبك. فأمَّا إذا قال: هي لك ما عشت: فإنها ترجع إلى صاحبها. قال: وبه كان الزهري يُفتي. ثم ما ورد من الروايات مطلقا فإنه مقيد بهذا الحديث. غير أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم انتهى عند قوله:(هي لك ولعقبك) وما بعده من كلام الزهري، على ما قاله محمد بن يحيى الذهلي. وهو مما انفرد به معمر عن الزهري. وخالفه في ذلك سائر من رواه عن الزهري من الأئمة الحفاظ، كالليث، ومالك، وابن أخي الزهري، وابن أبي ذئب. ولم يذكروا ذلك. .
قلت: والذي يظهر لي، وأستخير الله في ذكره: أنَّ حديث جابر في العُمرى رواه عنه جماعة، واختلفت ألفاظهم اختلافًا كثيرًا، ثم رواه عن كل واحد من تلك الجماعة قوم آخرون. واختلفوا كذلك. ثم كذلك القول في الطبقة الثالثة. وخلط فيه بعضهم بكلام النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس منه، فاضطرب، فضعفت الثقة به، مع ما ينضاف إلى ذلك من مخالفته للأصل المعلوم المعمول به: من أن الناس على شروطهم