للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَخَذتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفَ. ثُمَّ انصَرَفَ عَنهُ فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا رَقِيقًا، فَرَجَعَ إِلَيهِ فَقَالَ: مَا شَأنُكَ؟ قَالَ: إِنِّي مُسلِمٌ،

ــ

لقبيلته عهدًا من النبي صلى الله عليه وسلم. فأجابَه النبي صلى الله عليه وسلم بذكر السبب إعظامًا لحق الوفاء، وإبعادًا لنسبة الغدر إليه. فقال: (أخذتُك بجريرة حلفائِك ثقيفٍ) أي: بما فعلته ثقيفٌ من الجناية التي نقضوا بها ما كانَ بينَهم وبينَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد (١). وكانت بنو عقيل دخلوا معهم في ذلك. فإمَّا بحكم الشرط، وفيه بُعد، والظاهر أنَّهم دخلوا معهم بحكم الحِلف الذي كان بينَهم. ولذلك ذكر حلفهم في الحديث. ولما سمع الرَّجلُ ذلك لم يجد جوابًا، فسكتَ. وعنى بسابقة الحاجِّ: ناقته العضباء. فإنها كانت لا تُسبق. وقد كانت معروفة بذلك، حتى جاء أعرابيٌّ بقَعودٍ له فسبقَها؛ فعظمَ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: سُبقت العضباء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن حقًّا على اللهِ ألا يُرفعَ شيء من الدُّنيا إلا وضعه) (٢).

و(قوله: ثم انصرف، فنادَاه: يا محمَّدُ! يا محمَّدُ! ) هذا النِّداء من الرَّجل على جهة الاستلطاف، والاستعطاف، ولذلك رقَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعَ له وقال له: (ما شأنك؟ ) - رحمةً ورفقًا - على مقتضى خلقه الكريم، ولذلك قال الرَّاوي: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا رفيقًا).

و(قوله: إني مسلمٌ) ظاهر هذا اللفظ: أنَّه قد صار مسلمًا بدخوله في دين


(١) في حاشية (م): فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: ١٥] قيل: لما نقض حلفاؤهم رضوا هم بذلك، والراضي كالفاعل. وجواب ثان: أي: أنهم كفار لا عهدَ لهم، والكافرُ الذي لا عهدَ له مباح مالُه ودمُه، فيكون معنى قولهم: "بجريرة حلفائك" أي: بمثل دينهم من الكفر. وجواب ثالث: أنْ يُقدَّرَ في الكلام حذف معناه: أخذناك لنفاديَ بك من حلفائك.
(٢) رواه البخاري (٢٨٧٢)، وأبو داود (٤٨٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>