وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم أنه لم يقبل ذلك منه؛ لما أجابه بقوله:(لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح)، وحينئذ يلزم منه إشكال عظيم؛ فإن ظاهره: أنه لم يقبل إسلامه لأنه أسيرٌ مغلوبٌ عليه، لا يملك نفسه. وعلى هذا: فلا يصح إسلام الأسير في حال كونه أسيرًا، وصحة إسلامه معلوم من الشريعة، ولا يختلف فيه، غير أن إسلامه لا يزيل ملك مالكه بوجه. وهو أيضًا معلوم من الشارع (١).
ولما ظهر هذا الإشكال اختلفوا في الانفصال عنه. فقال بعض العلماء: يمكن أن يكون علم النبي صلى الله عليه وسلم من حاله: أنه لم يصدق في ذلك بالوحي. ولذلك لما سأله في المرَّة الثالثة فقال:(إني جائع فأطعمني، وظمآن فاسقني) قال: (هذه حاجتك). وقال بعضهم: بل إسلامه صحيح، وليس فيه ما يدل على أنه ردَّ إسلامه.
فأمَّا قوله:(لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح) أي: لو قلت كلمة الإسلام قبل أن تؤسر لبقيت حرًّا من أحرار المسلمين، لك ما لهم من الحرية في الدُّنيا، وثواب الجنة في الآخرة. وأمَّا إذا قلتها وأنت أسير: فإن حكم الرق لا يزول عنك بإسلامك. فإن قيل: فلو كان مسلمًا فكيف يفادى به من الكفار رجلان مسلمان؟ ! فالجواب: أنَّه ليس في الحديث نصٌّ: أنه رجع إلى بلاده بلاد الكفر. فيمكن أن يُقال: إنما فدي بالرَّجلين من الرِّق فأعتق منه بسبب ذلك، وبقي مع المسلمين حرًّا من الأحرار. وليس في قوله:(هذه حاجتك) ما يدلُّ على أن إسلامه ليس بصحيح، كما ظنه القائل الأول. وإنما معنى ذلك: هذه حاجتك حاضرة مُتيسِّرة.