للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[١٧٤٦] وعَن عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ يَنهَاكُم أَن تَحلِفُوا بِآبَائِكُم. قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا حَلَفتُ بِهَا مُنذُ سَمِعتُ

ــ

لفظًا ولا نية: فالأصل عدم لزومه. وما ذكرناه هو مذهب مالك، وأصحابه، وكثير من أهل العلم. وقد ذهبت طائفة من فقهاء المحدثين وأبو ثور (١): إلى أن كفارة اليمين تجري في جميع أبواب النذر تمسُّكًا بإطلاق الحديث الأول. والحجة عليهم ما ذكرناه.

و(قوله: إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف بالآباء لما فيه من تعظيمهم بصيغ الأيمان؛ لأن العادة جارية بأن الحالف منَّا إنما يحلفُ بأعظم ما يعتقده؛ كما بينَّاه. وإذا كان ذلك: فلا أعظم عند المؤمن من الله تعالى، فينبغي ألا يحلف بغيره، فإذا حلف بغير الله فقد عظم ذلك الغير بمثل ما عظم به الله تعالى، وذلك ممنوع منه. وهذا الذي ذكرناه في الآباء جار في كل محلوف به غير الله تعالى، وإنما جرى ذكر الآباء هنا لأنه هو السبب الذي أثار الحديث حين سمع النبي صلى الله عليه وسلم عمر يحلف بأبيه. وقد شهد لهذا المعنى قوله: (من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله) وهذا حصرٌ، وعلى ما قررناه فظاهر النهي التحريم. ثم هذا النهي وإن كان ظاهره التحريم فيتحقق فيما إذا حدث بملة غير الإسلام، أو بشيء من المعبودات دون الله تعالى، أو ما كانت الجاهلية تحلف به كالدُّمى (٢)، والدِّماء، والأنصاب. فهذا لا يُشكُّ في تحريمه. وأما الحلف بالآباء، والأشراف، ورءوس السلاطين، وحياتهم ونعمهم (٣)، وما شاكل ذلك فظاهر هذا الحديث يتناولهم بحكم عمومه، ولا ينبغي أن يختلف في تحريمه. وأما ما كان معظمًا في الشرع مثل: والنبي صلى الله عليه وسلم والكعبة، والعرش، والكرسي، وحرمة الصالحين: فأصحابنا يطلقون على الحلف بها الكراهة. وظاهر الحديث وما قدَّمناه من النظر


(١) سقط من (ع).
(٢) في حاشية (ل ١): الدُّمى: جمع دُمْية، وهو الصَّنم. قاله الجوهري.
(٣) ساقطة من (ع).

<<  <  ج: ص:  >  >>