للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[١٧٥٨] وعَن ابنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي نَذَرتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَن أَعتَكِفَ لَيلَةً فِي المَسجِدِ الحَرَامِ؟ قَالَ: فَأَوفِ بِنَذرِكَ.

ــ

وقول عمر: (إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة)، وفي الرواية الأخرى: (يومًا في المسجد الحرام). فقال: (أوف (١) بنذرك) ظاهره: لزوم نذر الكافر إذا أوجبه على نفسه في حال كفره؛ إذا كان من نوع القرب؛ التي يوجبها المسلمون، غير أنه لا يصح منه إيقاعه في حالة كفره لعدم شرط الأداء؛ الذي هو الإسلام. فأمَّا إذا أسلم وجب عليه الوفاء. وبذلك قال الشافعي، وأبو ثور، والمغيرة المخزومي، والبخاري، والطبري. ورأوا أن قوله صلى الله عليه وسلم: (أوف بنذرك) على الوجوب. وذهب مالك، والكوفيون: إلى أنَّه لا يلزمه شيء من ذلك؛ لا عتق، ولا صوم، ولا اعتكاف؛ لعدم تصوُّر نيَّة القربة منهم حالة كفرهم. واعتذروا عن ظاهر الحديث: بأن قول عمر: نذرت في الجاهلية. إنما يريد: في أيام الجاهلية، لا أنه كان هو في الجاهلية. ومنهم من قال: إن هذا الأمر على جهة النَّدب.

قلت: والاعتذاران ضعيفان؛ لأنهما خلاف الظاهر من مساق الحديث، ومن ظاهر الأمر. وأما قولهم: لا يلزمهم شيء من نذر تلك القرب؛ لأنه لا تصح نيَّة التقرُّب منهم؛ فقول لا يصبر على السبر؛ لأنا نقول: لا يلزم من كون العبادة لا تصحُّ من المكلَّف إلا أن يكون مخاطبًا بها؛ لأنَّا نجوز التكليف بالمشروط حالة عدم شرطه الممكن التحصيل. كما يؤمر الكافر بالإيمان بالرُّسول حالة عدم معرفة المرسل (٢)، والمحدث في الصلاة حالة الحدث، والبعيد عن مكة بالحج. وسر هذا: أنه لما كانت هذه الشروط ممكنة التحصيل للمكلَّف؛ أُمِر بفعل المشروط.


(١) في التلخيص ومسلم: فأوف.
(٢) في (ج ٢): معرفته بالرسل.

<<  <  ج: ص:  >  >>