للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بِجَمعٍ تَصلي البُلقُ (١) فِي حَجَرَاتِه ... تَرَى الأُكمَ فِيهَا سُجَّدًا لِلحَوَافِرِ

أي: خاضعةً. ويقالُ أيضًا: على المَيلِ؛ يقال: سجَدَتِ النخلةُ، أي: مالَت، وسجدَتِ الناقةُ: طأطأَت رأسَهَا، قال يعقوبُ: أسجَدَ الرجلُ: إذا طأطَأَ رأسه، وسجَدَ: إذا وضع جبهتَهُ في الأرض، وقال ابن دُرَيد: أصلُ السجود: إدامةُ النظر مع إطراقٍ إلى الأرض.

قال المؤلف - رحمه الله -: والحاصلُ أن أصلَ السجودِ: الخضوعُ، وسُمِّيَت هذه الأحوالُ سجودًا؛ لأنها تلازمُ الخضوع غالبًا، ثم قد صار (٢) في الشرعِ عبارةً عن وضع الجبهة على الأرض على نحو مخصوصٍ. والسجودُ المذكور في هذا الحديث: هو سجودُ التلاوة؛ لقوله: إِذَا قَرَأَ ابنُ آدَمَ السَّجدَةَ فَسَجَدَ. وقد اختُلِفَ في حُكمه:

فذهَبَ الجمهور: إلى أنَّه مندوبٌ وفضيلة، وصار أبو حنيفة: إلى أنه واجب؛ مستدلاًّ بهذا الحديث. ووجهه: أنَّ إبليس عصَى بترك ما أُمِرَ به من السجود؛ فذُمَّ ولُعِنَ، وابنُ آدم أطاعَ بفعله؛ فمُدِحَ وأُثِيبَ بالجنَّة؛ فلو تَرَكَهُ لعصى؛ إذ السجودُ نوعٌ واحد، فلزم من ذلك كونُ السجود واجبًا. والجوابُ: أنَّ ذمَّ إبليس ولَعنَهُ لم يكن لأجلِ تَركِ السجود فقط، بل لترك السجود عُتُوًّا على الله وكِبرًا، وتسفيهًا لأمره تعالى، وبذلك كفَرَ، لا بترك العملِ بمطلق السجود؛ أَلَا ترى قوله تعالى مُخبِرًا عنه بذلك حين قال: أَبَى وَاستَكبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ، وقال: لَم أَكُن لِأَسجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقتَهُ مِن صَلصَالٍ مِن حَمَإٍ مَسنُونٍ، وقال: أَنَا خَيرٌ مِنهُ خَلَقتَنِي مِن نَارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طِينٍ. سلَّمنا: أنَّه ذُمَّ على ترك السجود، لكن لا نُسلِّمُ أنَّ السجودَ نوعٌ واحد؛ فقد قال بعضُ المفسِّرين: إنَّ


(١) في (ع): الخيل، والمثبت من (م) و (ل). والفرس الأبلق: ما كان فيه سواد وبياض.
(٢) قوله: (قد صار) ساقط من (ع).

<<  <  ج: ص:  >  >>