الصحيح في هذا الحديث: أن اليهودي إنَّما قتل بالمرأة باقراره، لا بمجرد التَّدمية. والرواية التي يظهر منها: أنَّه قتل بمجرد التَّدمية مردودة إلى الرواية التي ذكر فيها: أنه قتل بإقراره لوجهين:
أحدهما: أن القضية واحدة وإن اختلفت الرِّوايات، فيحمل مطلقها على مقيَّدِها.
والثاني: أن ظاهر تلك الرِّواية المطلقة مجمع على تركه؛ إذ لم يقل أحد من المسلمين: أن التَّدمية بمجردها يقتل بها، وإنَّما هي عند من قال بها لوثٌ يقسم معها. ولم يسمع قطّ في شيء من طرق هذا الحديث، ولا رواياته: أن أولياء هذه الجارية أقسموا على اليهودي.
وفيه: قتل الكبير بالصَّغير؛ لأن الجارية اسم لمن لم يبلغ من النساء، كالغلام في الرجال. وهذا لا يختلف فيه.
وفيه: أن من قَتَل بشيء قُتل به. وقد اختلف فيه، فذهب الجمهور: إلى أنَّه يُقتل بمثل ما قَتَل من حجر، أو عصا، أو تغريق، أو خنق، أو غير ذلك، ما لم يقتله بفسق كاللوطية، وإسقاء الخمر؛ فيقتل بالسيف. وحجَّتهم هذا الحديث، وقوله تعالى:{فَمَنِ اعتَدَى عَلَيكُم فَاعتَدُوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدَى عَلَيكُم} وقوله تعالى: {وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ} والقصاص أصله: المساواة في الفعل. ومن هؤلاء من خالف في التحريق بالنار، وفي قتله بالعصا. فجمهورهم: على أنَّه يقتل بذلك. وقال ابن الماجشون وغيره: لا يحرَّق بالنار لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يعذب بالنَّار إلا الله)(١). وقال مالك في إحدى الروايتين عنه:
(١) رواه أحمد (٢/ ٣٠٧)، والبخاري (٣٠١٦)، وأبو داود (٢٦٧٤)، والترمذي (١٥٧١).