للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قلت: والعذر لمالك عن خروجه عن ذلك الأصل المجمع عليه فيما كان المقصود فيه المال فقط واضح. وأمَّا الجراح العمد فليست بمال، ولا تؤدي إليه، وإنما يدخل المال فيها برضا المجروح. ثم يلزمه عليه أن يعمل بالشاهد واليمين في قتل النفس العمد؛ لأنَّه قد يرضى بها الأولياء ولا قائل به، ولا يلتفت لتفريق من فرَّق من أصحابنا بين الجراح والنفس، بأن من جنس الجراح ما لا يكون فيه إلا المال؛ لأنَّا كذلك نقول في القتل، فإن من جنسه ما لا يكون فيه إلا المال، وهو قتل الخطأ. فالصحيح من هذا: أنَّه لا يحكم بالشاهد واليمين في الجراح بوجه.

ثمَّ: أحاديث هذا الباب كلها حجَّة للجمهور على الكوفيين، والأوزاعي، والنَّخعي، وابن أبي ليلى، والزهري، والليث، والحكم، والشعبي، حيث نَفَوا الحكم بالشاهد واليمين، ونقضوا حكم من حكم به، وبدَّعوه، وقال الحكم: الشاهد واليمين بدعة، وأول من حكم به معاوية.

قلت: يا للعجب! ولضيعة العلم والأدب! كيف ردَّ هؤلاء القوم هذه الأحاديث مع صحتها، وشهرتها؟ ! وكيف اجترؤوا على تبديع من عمل بها حتى نقضوا حكمه، واستقصروا علمه، مع أنَّه قد عمل بذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم: أبو بكر، وعمر، وعلي، وأبي بن كعب، ومعاوية، وشريح، وعمر بن عبد العزيز، - وكتب به إلى عمَّاله -، وإياس بن معاوية، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو الزناد، وربيعة. ولذلك قال مالك: وإنَّه ليكفي من ذلك ما مضى من السُّنة. أترى هؤلاء تنقض أحكامهم، ويحكم ببدعتهم؟ !

قالوا: والذي حمل هؤلاء المانعين على هذا اللجاج ما اغترُّوا به من واهن الحِجَاج، وذلك: أنَّهم وقع لهم: أن الحكم باليمين مع الشاهد زيادة على نصِّ (١)


(١) من (ج ٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>