للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واجبان له؛ إذ ليست أوصافُ كمالِ (١) الله وجلالُهُ مُستفادةً مِن غيره، بل هي واجبة الوجود لذواتها، بحيثُ لا يجوزُ عليها العدَمُ ولا النقص، ولا يجوزُ عليه تعالى نقيضُ شيءٍ من ذلك، فكمالُهُ وجلالُهُ حقيقةٌ له؛ بخلاف كمالنا، فإنَّه مستفادٌ مِنَ الله تعالى، ويجوزُ عليه العدَمُ وطروءُ النقيضِ والنقصِ.

وإذا كان هذا، فالتكبُّرُ والتعاظُمُ خُرقٌ مِنَّا، ومستحيل في حقِّنا؛ ولذلك حرَّمهما الشرع، وجعلهما من الكبائر؛ لأنَّ مَن لاحظَ كمالَ نفسه ناسيًا مِنَّةَ الله تعالى فيما خصَّه به، كان جاهلاً بنفسه وبربِّه، مغترًّا بما لا أصلَ له، وهي صفةُ إبليسَ الحاملةُ له على قوله: أَنَا خَيرٌ مِنهُ وصفةُ فرعونَ الحاملةُ له على قوله: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعلَى ولا أقبَحَ ممَّا صارا إليه؛ فلا جَرَمَ كان فرعونُ وإبليسُ أَشَدَّ أهلِ النار عذابًا؛ نعوذ بالله من الكِبرِ والكفر.

وأمَّا مَن لاحظ مِن نفسه كمالاً، وكان ذاكرًا فيه مِنَّةَ الله تعالى عليه به، وأنَّ ذلك مِن تفضُّله تعالى ولطفه، فليس مِنَ الكِبرِ المذمومِ في شيء، ولا مِنَ التعاظُمِ المذموم، بل هو اعترافٌ بالنعمة، وشُكرٌ على المِنَّة. والتحقيقُ في هذا: أنَّ الخَلقَ كلَّهم قوالبُ وأشباح، تجري عليهم أحكامُ القُدرة؛ فمَن خصَّه الله تعالى بكمالٍ، فذلك الكمالُ يرجعُ للمكمِّلِ الجاعل، لا للقالَبِ القابل. ومع ذلك: فقد كمَّل الله الكمالَ بالجزاءِ والثناءِ عليه؛ كما قد نقَصَ النقصَ بالذمِّ والعقوبةِ عليه، فهو المُعطِي والمُثنِي، والمُبلِي والمعافي؛ كيف لا وقد قال العليُّ الأعلى: أَنَا اللهُ خَالِقُ الخَيرِ وَالشَّرِّ؛ فَطُوبَى لِمَن خَلَقتُهُ لِلخَيرِ وَقَدَرتُهُ عَلَيهِ، وَالوَيلُ لِمَن خَلَقتُهُ لِلشَّرِّ وَقَدَرتُهُ عَلَيهِ (٢)؛ فلا حِيلَةَ تعمل مع قهر؛ لَا يُسأَلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسأَلُونَ.


(١) ساقط من (ع).
(٢) رواه ابن شاهين في "شرح السنة" عن أبي أمامة بإسناد ضعيف. (إحياء علوم الدين ٤/ ٣٣٥ - ٣٣٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>