ولمَّا تقرَّر أنَّ الكِبرَ يستدعي متكبَّرًا عليه، فالمتكبَّرُ عليه إن كان هو اللهَ تعالى، أو رُسُولَهُ، أو الحَقَّ الذي جاءت به رسلُهُ؛ فذلك الكِبرُ كُفر. وإن كان غَيرَ ذلك؛ فذلك الكِبرُ معصيةٌ وكبيرة، يُخَافُ على المتلبِّس بها المُصِرِّ عليها أن تُفضِيَ به إلى الكُفر، فلا يدخُلُ الجنَّة أبدًا.
فإن سَلِمَ مِن ذلك، ونفَذَ عليه الوعيد، عوقبَ بالإذلالِ والصَّغَار، أو بما شاء اللهُ مِن عذابِ النار، حتَّى لا يبقى في قلبه مِن ذلك الكِبرِ مثقالُ ذَرَّة، وخَلُصَ من خَبَثِ كِبره حتى يصيرَ كالذَّرَّة؛ فحينئذ يتداركُهُ الله برحمتِه، ويخلِّصُهُ بإيمانِهِ وبركتِه. وقد نصَّ على هذا المعنى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في المحبوسين على الصِّرَاط لما قال: حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا، أُذِنَ لَهُم فِي دُخُولِ الجَنَّةِ (١)، والله تعالى أعلم.
و(قوله: إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ): الجمالُ لغةً: هو الحُسنُ؛ يقال: جَمُلَ الرجلُ يَجمُلُ بالضمِّ، جَمَالاً؛ فهو جميلٌ، والمرأةُ جميلة، ويقال: جَملَاءُ عن الكِسائيِّ.
وهذا الحديثُ يدلُّ على أنَّ الجميل مِن أسماء الله تعالى، وقال بذلك جماعةٌ من أهل العلم، إلَاّ أنَّهم اختلفوا في معناه: فقيل: معناه معنى الجليل؛ قاله القشيريُّ.
وقيل: معناه ذو النُّورِ والبهجة، أي: مالكُهُمَا؛ قاله الخَطَّابيّ. وقيل: جميلُ الأفعالِ بكُم والنظرِ إليكم؛ فهو يُحِبُّ التجمُّلَ منكم في قلَّةِ إظهارِ الحاجة إلى غيره؛ قاله الصَّيرَفيُّ. وقال: الجميلُ: المنزَّهُ عن النقائص، الموصوفُ بصفاتِ الكمال، الآمِرُ بالتجمُّلِ له بنظافةِ الثياب والأبدان، والنزاهةِ عن الرذائلِ والطغيان، وسيأتي القولُ في أسماء الله تعالى.