و(قوله: وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا) الاعتصام بالشيء: التمسُّك به، والتحرز بسببه من الآفات. وأصل العصمة: المنع. تقول العرب: عصم فلانًا الطعام؛ أي: منعه من الجوع، وكنُّوا السَّويق بأبي عاصم لذلك، فالمعتصم بالشيء يمتنع به من أسباب الهلاك والشدائد.
و(حبل الله) هنا: شَرعُهُ الذي شَرَعَهُ، ودينه الذي ارتضاه. قال قتادة: هو القرآن. وهو بمعنى القول الأول. والحبل ينصرف على وجوه:
منها: العهد والوصل، وما يُنجَى به من المخاوف. ومنها: الأمان. وكلُّها متقاربة المعنى؛ لأنَّ الحبل في الأصل: واحد الحبال التي تُربَط بها الآلات، وتجمع بها المتفرقات، ثمَّ استعير لكل ما يعول عليه، ويتمسك به، ثمَّ كثر استعماله في العهد ونحوه. ومعنى هذا: أن الله تعالى أوجب علينا التمسُّك بكتابه، وسُنَّة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، والرجوع إليهما عند الاختلاف.
و(قوله: ولا تفرَّقوا) أي: اجتمعوا على الاعتصام بالكتاب والسُّنة اعتقادًا، وعملًا، فتتفق كلمتكم، وينتظم شتاتكم، فتَتمّ لكم مصالح الدنيا والدِّين، وتسلموا من الاختلاف والافتراق الذي حصل لأهل الكتابين.
وفيه دليلٌ: على صحة الإجماع كما بيَّنَّاه في أصول الفقه.
و(قوله: وكره لكم: قيل وقال) كلاهما مبني على الفتح، فِعل ماضٍ. هكذا الرواية التي لا يُعرف غيرها. ومعناه: أن الله تعالى حرَّم الخوض في الباطل، وفيما لا يعني من الأقوال، وحكايات أحوال الناس التي لا يسلم فاعلها من الغيبة، والنميمة، والبهتان، والكذب. و (من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كانت النار أولى به)(١).