للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واختلف أصحابنا فيمن يحفظ أقوال إمامه فقط. هل يصلح للحكم عند الضرورة أو لا؟ على قولين؟ فمن أجازه شرط فيه: أنَّه لا يخرج عن نصوص إمامه، أو نصوص من فهم عن إمامه، فإذا تعارضت عنده الأقوال لم يحكم بشيء منها أصلًا حتى يسأل عن الأرجح من له أهلية الترجيح. ولا يحكم بنظره أصلًا؛ إذ لا نظر له. ومتى فعل شيئًا من ذلك كان حكمه منقوضًا، وقوله مردودًا. وقد كان أهل الأندلس يرجحون الأقوال بالناقلين لها من غير نظر في توجيه شيء منها. فيقولون: إن قول ابن القاسم ونقله أولى من نقل غيره وقوله، بناءً على أن ابن القاسم اقتصر على مالك، ولم يتفقَّه بغيره، ولطول ملازمته له. فإن لم نجد لابن القاسم قولًا كان قول أشهب أولى من قول ابن عبد الحكم؛ لأنَّه أخذ عن الشافعي، فخلَّط، وهكذا. وقد بلغني: أنهم كانوا بالأندلس يشترطون على القضاة في سجلاتهم مراعاة ذلك الترتيب.

قلت: وهذه رتبة لا أخسَّ منها؛ إذ صاحبها معزولٌ عن رتبة الفقهاء، ومنخرط في زمرة الأغبياء؛ إذ لا يفهم معاني الأقوال، ولا يعرف فصل ما بين الحلال والحرام، فحق هذا ألا يتعاطى منصب الأحكام، فإنَّه من جملة العوام. والمشهور: أنَّه لا يُستَقضَى من عَرِي عن الاجتهاد المذكور، ولذلك قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: ولا يُستقضى إلا فقيه من أهل الاجتهاد. وهذا محمولٌ على ما تقدم، والله تعالى أعلم.

والاجتهاد المعني في هذا الباب هو: بذل الوسع في طلب الحكم الشرعي في النوازل على ما قلناه.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>