للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأعظم فوائد هذا الحديث: أن الحاكم لا بدَّ أن يكون من أهل الاجتهاد، فإذا اجتهد وحكم فلا بدَّ له من الأجر؛ فإمَّا ضعفان مع الإصابة، وإمَّا ضعف واحد مع الخطأ. فأمَّا لو كان جاهلًا، أو مقصرًا في اجتهاده فهو عاصٍ آثمٌ في كل ما يحكم به. أمَّا الجاهل: فلعدم أهليته. وأمَّا المقصِّر: فلعدم استيفاء شرطه. وكلاهما حَكَمَ بغير حكم الله، بل بالباطل، والاختلاق على الله. وقد دلَّ على هذا أيضًا ما خرَّجه النسائي من حديث بريدة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد في الجنة. رجل عرف الحق فقضى به، فهو في الجنَّة. ورجل عرف الحق فلم يقضِ به، وجار في الحكم، فهو في النار. ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل، فهو في النار) (١).

فإذا تقرَّر ذلك فاعلم: أنَّ المجتهد ضربان:

أحدهما: المجتهد المطلق، وهو: المستقل باستنباط الأحكام من أدلَّتها. فهذا لا شكَّ في أنَّه إذا اجتهد مأجور، كما قدمناه، لكنه يُعزُّ وجوده، بل قد انعدم في هذه الأزمان. فلو لم ينفذ إلا حكم من كان كذلك لتعطلت الأحكام، وضاعت الحقوق.

وثانيهما: مجتهد في مذهب إمام. وهذا غالب قضاة العدل في هذا الزمان. وشرط هذا أن يحقق أصول إمامه، وأدلَّته، وينزل أحكامه عليها فيما لم يجده منصوصًا من مذهب إمامه. وأمَّا ما وجده منصوصًا: فإن لم يختلف قول إمامه؛ عمل على ذلك النَّصَّ، وقد كُفِي مؤنة البحث. والأولى به: تَعَرَّفُ وجه ذلك الحكم. وأما إن اختلف قول إمامه: فهناك يجب عليه البحث في تعيين الأولى من القولين على أصول إمامه.


(١) رواه النسائي في الكبرى (٥٩٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>