للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فبدأ بالحكم قبل الاجتهاد، والأمر بالعكس، فإنَّ الاجتهاد مقدَّمٌ على الحكم؛ إذ لا يجوز الحكم قبل الاجتهاد بالإجماع. ووجهُ مساق هذا اللفظ: أن قوله: (إذا حكم) معناه: إذا أراد أن يحكم، فعند ذلك يجتهد في النازلة، ويفيد هذا صحة ما قاله الأصوليون: إن المجتهد يجب عليه أن يجدد نظرا عند وقوع النازلة، ولا يعتمد على اجتهاده المتقدم، لإمكان أن يظهر له ثانيًا خلاف ما ظهر له أولًا. اللهم إلا أن يكون ذاكرًا لأركان اجتهاده، مائلًا إليه، فلا يحتاج إلى استئناف نظر في إمارة أخرى.

و(قوله: فأصاب) أي: حكم فأصاب وجه الحكم. وهو أن يحكم بالحق لمستحقه في نفس الأمر عند الله تعالى. فهذا يكون له أجرٌ بحسب اجتهاده، وأجر بسبب إصابة ما هو المقصود لنفسه. والخطأ الذي يناقض هذا هو: أن يجتهد في حجج الخصمين، فيظن: أن الحق لأحدهما، وذلك بحسب ما سمع من كلامه وحجَّته، فيقضي له، وليس كذلك عند الله تعالى. فهذا له أجر اجتهاده خاصَّة؛ إذ لا إصابة. وهذا المعنى هو الذي أراده النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (فلعلَّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على حسب ما أسمع)، وفي الأخرى: (فأحسب: أنَّه صادق، فأقضي له). وهذا في الحاكم بين الخصوم واضحٌ؛ لأن هنالك حقًّا معيَّنا عند الله تعالى تنازعه الخصمان، لأن أحد الخصمين مبطل قطعًا؛ لأنَّهما تقاسما الصدق والكذب، فمتى صدق أحدهما كذب الآخر. والحاكم إنما يجتهد في تعيين الحق، فقد يصيبه وقد يخطئه. وعلى هذا: فلا ينبغي أن يختلف هنا في أنَّ المصيب واحدٌ، وأنَّ الحق في طرف واحد. وإنَّما ينبغي أن يختصَّ الخلاف بالمجتهد في استخراج الأحكام من أدلَّة الشريعة بناءً على الخلاف في أن النوازل غير المنصوص عليها؛ هل لله تعالى فيها أحكام معيَّنة أم لا؟ وللمسألة غَورٌ، وفيها أبحاث استوفيناها في كتابنا في الأصول.

<<  <  ج: ص:  >  >>