فإنَّه يجمع ذلك كلُّه في مسكن واحد. فيه إشكال؛ إذ هي مخالفة لما أوصى به الموصي. والأصل اتِّباع أقواله والعمل بظاهرها؛ فإنَّه كالمشرع. ففتيا القاسم ليس على ظاهرها، وإنما هي محمولة على ما إذا أراد أحد الفريقين من الورثة، أو الموصى لهم القسمة، وتمييز حقه، وكانت المساكن متقاربة، بحيث يضم بعضها إلى بعض في القسمة، فحينئذ تقوَّم تلك المساكن قيمة التعديل، وتقسم بينهم، فيجمع نصيب الموصى لهم في موضع واحد يشتركون فيه بحسب وصاياهم، ويبقى نصيب الورثة فيما عدا ذلك، بحسب مواريثهم.
فإن قيل: فقد استحالت الوصية عن أصلها.
فالجواب: أن ذلك بحسب ما أدَّت إليه سُنَّة القسمة عند الدُّعاء إليها، فإن الموصي لو أوصى بثلث كل مسكن، ومنع من القَسم لم يلتفت إلى منعه، وكان ذلك المنع مردودًا. وهو الذي استدلَّ على ردِّه القاسم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ) فلو لم يطلب أحدٌ من الفريقين قسمة، أو كانت المساكن لا يُضمُّ بعضها إلى بعض لبعدها، وتباين اختلافها بقي كلُّ واحد منهم على نصيبه حسب ما وُصِّي له به. وهذا كلُّه مذهب مالك.
و(قوله: ألا أخبركم بخير الشهداء) الشهداء: جمع شهيد، كظرفاء: جمع ظريف، ويجمع أيضًا على: شهود، لكنه جمع شاهد، كحضور جمع حاضر، وخروج جمع خارج. ويعني بخير الشهداء: أكملهم في رتبة الشهادة، وأكثرهم ثوابًا عند الله تعالى.
و(قوله: الذي يأتي بشهادته قبل أن يسأَلَها) يعني به الشهادة التي يجب أداؤها، ولم يَسألها؛ كشهادة بحق لم يحضر مستحقه، أو بشيء يخاف ضياعه، أو فوته بطلاق، أو عتق على من أقام على تصرُّفه من الاستمتاع بالزوجة، واستخدام العبد، إلى غير ذلك، فيجب على من تحمَّل شيئًا من ذلك أداء تلك الشهادة، ولا