من إظهار العمل بمكارم الأخلاق، وحُسن الأحدوثة الطيبة (١)، وطيب الثناء، وحصول الرَّاحة للضيف المتعوب بمشقَّات السَّفر، المحتاج إلى ما يخفف عليه ما هو فيه من المشقَّة، والحاجة.
ولم تزل الضيافة معمولًا بها في العرب من لدن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّه أول من ضيَّف الضيف. وعادة مستمرة فيهم، حتى إنَّ من تركها يُذَمُّ عُرفًا، ويُبَخَّلُ ويُقَبَّحُ عليه عادة، فنحن وإن لم نقل: إنَّها واجبة شرعًا فهي متعيِّنة لما يحصل منها من المصالح، ويندفع بها من المضار عادة وعُرفًا.
و(الجائزة): العطية. يقال: أجزته جائزة، كما تقول: أعطيته عطية. و (جائزته) هنا منصوبة، إما على إسقاط لفظ حرف الجر، فكأنه قال: فليكرم ضيفه بجائزته. وإما بأن يُشرِبَ (فليكرم) معنى: (فليُعط)، فيكون مفعولا ثانيًا لـ (يكرم).
و(قوله: وما جائزته؟ ) استفهام عن مقدار الجائزة، لا عن حقيقتها، ولذلك أجابهم بقوله:(يومه وليلته) أي: القيام بكرامته في يومه وليلته؛ أي: أقل ما يكون هذا القدر، فإنَّه إذا فعل هذا حصلت له تلك الفوائد.
و(قوله بعد ذلك: والضيافة ثلاثة أيام) يعني بها بالكاملة التي إذا فعلها المضيف فقد وصل إلى غاية الكمال، وإذا أقام الضيف إليها لم يلحقه ذمٌّ بالمقام فيها؛ فإن العادة الجميلة جاريةٌ بذلك. وأمَّا ما بعد ذلك فخارج عن هذا كله، وداخل في باب: إدخال المشقات والكُلَف على المُضيِّف، فإنَّه يتأذى بذلك من أوجه متعددة. وهو المعني بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ولا يحل له أن يقيم عنده حتى يؤثمه) أي: حتى يشق عليه، ويثقل، لا سيما مع رقة الحال، وكثرة الكلف.