للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ: وَانطَلَقنَا عَلَى سَاحِلِ البَحرِ، فَرُفِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ البَحرِ كَهَيئَةِ الكَثِيبِ الضَّخمِ، فَأَتَينَاهُ فَإِذَا هِيَ دَابَّةٌ تُدعَى العَنبَرَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيدَةَ: مَيتَةٌ، ثُمَّ قَالَ: لَا بَل نَحنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَقَد اضطُرِرتُم فَكُلُوا. قَالَ: فَأَقَمنَا عَلَيهِ شَهرًا، وَنَحنُ ثَلَاثُمِائَةٍ، حَتَّى سَمِنَّا. قَالَ: وَلَقَد رَأَيتُنَا نَغتَرِفُ مِن

ــ

و(قوله: تُدعى العَنبَر) أي: تسمَّى بـ (العنبر)، ولعلها سميت بذلك لأنها الدابَّة التي تلقي العنبر، وكثيرًا ما يوجد العنبر على سواحل البحر، وقد وجد عندنا منه على ساحل البحر بقادس - موضع بالأندلس - قطعة كبيرة كالكوم، حصل لواجديه منه أموال عظيمة.

و(قول أبي عبيدة: مَيتَة) أي: هي مَيتَة، فلا تُقرب؛ لأنَّها حرام بنصِّ القرآن العام، ثم إنه أضرب عمَّا وقع له من ذلك لما تحقق من الضرورة المبيحة له، ولذلك قال: (لا، بل نحن رسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد اضطررتم فكلوا) وهذا يدلّ على جواز حمل العموم على ظاهره، والعمل به من غير بحث عن المخصِّصات، فإن أبا عبيدة حكم بتحريم ميتة البحر تمسُّكًا بعموم القرآن، ثم إنه استباحها بحكم الاضطرار، مع أن عموم القرآن في الميتة مخصَّصٌ بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته) (١)، ولم يكن عنده خبر من هذا المخصِّص، ولا عند أحد من أصحابه.

و(قوله: فأقمنا عليها شهرًا حتى سَمِنَّا) دليل لمالك، ولمن يقول بقوله: على أن يأكل من الميتة شبعه، ويتبسط في أكلها، فإنَّها قد أبيحت له، وارتفع تحريمها في تلك الحال فأشبهت الذَّكيَّة، وخالفه في ذلك جماعة، منهم: الحسن، والنخعي، وقتادة، وابن حبيب، فقالوا: لا يأكل منها حتى يضطرَّ إليها ثانية، ولا يأكل منها إلا ما يُقيم (٢) رمقه. وقال عبد الملك: إن تغدَّى حَرُمَت عليه


(١) رواه أحمد (٢/ ٢٣٧)، وأبو داود (٨١)، والترمذي (٦٩)، والنسائي (١/ ١٧٦)، وابن ماجه (٣٨٦).
(٢) في (ل ١): يسدُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>