للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقبِ عَينِهِ بِالقِلَالِ الدُّهنَ، وَنَقتَطِعُ مِنهُ الفِدَرَ كَالثَّورِ، أَو كَقَدرِ الثَّورِ، ولَقَد أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيدَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَأَقعَدَهُم فِي وَقبِ عَينِهِ، وَأَخَذَ ضِلَعًا مِن

ــ

يومه، وإن تعشى حرمت عليه ليلته. وهذا الذي قاله هؤلاء تعضده القاعدة، وهي: أن كل ما أبيح لضرورة (١) فيتقدَّر بقدرها، على أنَّه يمكن أن يقال في قضيَّة أبي عبيدة، وأكلهم من تلك الميتة شهرًا حتى سمنوا: إن ذلك القَدر كان قدر ضرورتهم، وذلك أنهم كانوا قد أشرفوا على الهلاك من الجوع، والضعف، وسقطت قواهم، وهم مستقبلون سفرًا، وعَدَوًّا، فإن لم يفعلوا ذلك ضعفوا عن عدوهم، وانقطعوا عن سفرهم، وهذا كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه عند الفتح: (تقوَّوا لعدوكم، والفطر أقوى لكم) (٢).

و(قوله: حتى سَمِنَّا) يعني: تقوينا، وزال ضعفنا، كما قال في الرواية الأخرى: (حتى ثابت إلينا أجسامنا) أي: رجعت إلينا قوَّتنا. وإلا فما كانوا سِمَانًا قطُّ.

و(حجاج العين) يقال: بفتح الحاء وكسرها، وهو الوقب أيضًا. وهو غار العين الذي فيه حبَّتها. وأصل الوقب: الحفرة في الحجر.

و(الفِدَرُ): جمع فِدرَة: وهي القطعة من اللحم، والعجين، وشبههما. وهي: (الثَّور) أيضًا، وجمعه: أثوار. والمراد بها هنا: قطع العجين أو السويق، ولذلك شبَّه قطع اللحم بها؛ إذ قال: كقدر الثور.

فإن قيل: كيف جاز لهم أن يأكلوا من هذه الميتة إلى شهر، ومعلوم: أن اللحم إذا أقام هذه المدَّة، بل أقل منها، أنه يُنتِن، ويشتدُّ نَتَنُه، فلا يحل الإقدام عليه، كما تقدم في الصيد؛ إذ قال: (كله ما لم يُنتِن) (٣).

فالجواب: أن يقال: لعل ذلك لم يَنتَهِ نَتَنُه إلى حال يخاف منه الضرر لبرودة


(١) ليست في (ع).
(٢) رواه مالك في الموطأ (٢/ ٢٩٤).
(٣) انظره في التلخيص برقم (٢٠٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>