للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[١٨٦٣] وعنه؛ وسئل عن الفضيخ فقال: مَا كَانَت لَنَا خَمرٌ غَيرَ فَضِيخِكُم، هَذَا الَّذِي تُسَمُّونَهُ الفَضِيخَ، إِنِّي لَقَائِمٌ أَسقِيهَا أَبَا طَلحَةَ، وَأَبَا أَيُّوبَ،

ــ

خمورهم يومئذ خليط البسر والتمر). وهذه الأحاديث على كثرتها تبطل مذهب أبي حنيفة، والكوفيين القائلين بأن الخمر لا تكون إلا من العنب. وما كان من غيره لا يُسمَّى خمرًا، ولا يتناوله اسم الخمر، وإنما يُسمى نبيذًا. وهذا مخالف للُّغة، والسُّنَّة.

ألا ترى: أنه لما نزل تحريم الخمر فهمت الصحابة جميعهم من ذلك تحريم كل ما يُسكر نوعه؟ فسَوَّوا في التحريم بين المعتصر من العنب وغيره، ولم يتوقفوا في ذلك، ولا سألوا عنه؛ لأنَّهم لم يشكل عليهم شيء من ذلك، فإنَّ اللِّسان لسانهم، والقرآن نزل بلغتهم. ولو كان عندهم في ذلك شكٌّ، أو توهُّم، لتوقفوا عن الإراقة حتى يستكشفوا، ويسألوا، لا سيما وكان النبيذ عندهم مالًا محترمًا منهيًّا عن إضاعته قبل التحريم، فلما فهموا التحريم نصًّا ترجَّح عندهم مقتضى الإراقة والإتلاف على مقتضى الصيانة والحفظ. ثم كان هذا من جميعهم من غير خلاف من أحد منهم، فصار القائل بالتَّفريق سالكًا غير سبيلهم. ثم إنَّه قد ثبتت أحاديث نصوصٌ في التسوية بين تلك الأشياء، وأن كلَّ ذلك خمر على ما يأتي بعد هذا.

وقد خطب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الناس فقال: ألا وإن الخمر نزل تحريمها يوم نزل، وهي من خمسة أشياء: من الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، والعسل. والخمر: ما خامر العقل. وهذه الخطبة بمحضر الصحابة - رضوان الله عليهم - وهم أهل اللسان، ولم ينكر ذلك عليه أحد، وهو الذي جعل الله الحق على لسانه وقلبه.

وإذا ثبت أن كل ذلك يقال عليه (١): خمر؛ فيلزمه تحريم قليله وكثيره، ولا يحل شيء منه تمسُّكًا بتحريم مُسمَّى الخمر، ولا مخصص، ولا مفصل يصحّ في ذلك. بل قد وردت الأحاديث الصحيحة والحسان بالنص على: أنَّ ما حَرُمَ كثيره حَرُمَ قليله. روى الترمذي من حديث جابر بن


(١) ما بين حاصرتين سقط من (ع).

<<  <  ج: ص:  >  >>