للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَرِجَالًا مِن أَصحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي بَيتِنَا، إِذ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَل بَلَغَكُم

ــ

عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) (١). قال: هذا حديث حسن غريب. وروى أبو داود عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (كلُّ مسكر حرام، وما أسكر منه الفَرَق (٢)، فملء الكفِّ منه حرام) (٣). وإسناده صحيح.

وأمَّا الأحاديث التي تمسك بها المخالف؛ فلا يصح شيء منها على ما قد بيَّن عللها المحدِّثون في كتبهم، وليس في الصحاح شيء منها، ثم العجب من المخالفين في هذه المسألة؛ فإنَّهم قالوا: إن القليل من الخمر المعتصر من العنب حرام ككثيره، وهو مُجمع عليه، فإذا قيل لهم: فلم حرم القليل من الخمر، وليس مُذهبًا للعقل؟ فلا بدَّ أن يقال: لأنه داعية إلى الكثير، أو للتَّعَبُّد، فحينئذ يقال لهم: كل ما قدَّرتموه في قليل الخمر هو بعينه موجود في قليل النبيذ. فيحرم أيضًا؛ إذ لا فارق بينهما. إلا مجرَّد الاسم إذا سُلّم ذلك. القياس أرفع أنواع القياس؛ لأنَّ الفرع فيه مساو للأصل في جميع أوصافه. وهذا كما نقوله في قياس الأمة على العبد في سراية العتق. ثم العجب من أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - وأصحابه، فإنَّهم يتوغلون في القياس، ويرجحونه على أخبار الآحاد، ومع ذلك فقد تركوا هذا القياس الجلي المعضود بالكتاب والسُّنة، وإجماع صدر الأمَّة.

تفصيل: ذهب جمهور العلماء من السَّلف، وغيرهم: إلى أن كل ما يسكر نوعه حرم شربه، قليلًا كان أو كثيرًا، نَيِّئًا كان أو مطبوخًا، ولا فرق بين المستخرج من العنب، أو غيره كما قررناه. وأن من شرب شيئًا من ذلك حُدَّ. فأمَّا المستخرج من العنب المسكر النِّيء: فهو الذي انعقد الإجماع على تحري كثيره وقليله، ولو


(١) رواه الترمذي (١٨٦٥).
(٢) "الفَرَق والفَرْق": مكيال ضخم لأهل المدينة معروف يقرب من (٧) كيلوغرام.
(٣) رواه أبو داود (٣٦٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>