[١٨٦٨] وعن طَارِق بن سُوَيدٍ الجُعفِيَّ أنه سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَن
ــ
الشِّدَّة إذا خلطا، وهذا هو الذي يُفهم من الأحاديث الواردة في هذا الباب؛ فإنها مصرَّحة بالنَّهي عن الخلط للانتباذ والشرب. وقد أبعد بعض أصحابنا فمنع الخلط وإن لم يكن كذلك، حتى منع خلطهما للتخليل، وهذا إنما يليق بمن لم يعلِّل النهي عن الخليطين بعلَّة، ويلزم عليه أن يجري النهي على خلط العسل واللبن، وشراب الورد والبنفسج، والعسل والخلِّ، وغير ذلك. والصواب ما ذهب إليه مالك والجمهور. والله الموفق.
ونهيه - صلى الله عليه وسلم - عن اتخاذ الخمر خلًا ظاهرٌ في تحريم ذلك. وبه قالت طائفة من أهل العلم، وروي عن عمر، وبه قال الزهري، وكرهه مالك، وقال أبو حنيفة: لا بأس بأن تتخذ الخمر خلًا. وكيف يصحُّ له هذا مع هذا الحديث ومع سببه الذي خرج عليه؟ وهو: أن أنسًا روى أن أبا طلحة سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أيتام ورثوا خمرًا: أنجعله خلًا؟ قال:(لا)، فهراقه (١)، فلو كان هذا جائزًا لكان قد ضيَّع على الأيتام ما لهم، ولوجب الضمان على من أراقها عليهم، وهو: أبو طلحة. وكل ذلك لم يلزم، فدلَّ ذلك على فساد ذلك القول.
وهذا الحديث أيضًا يدلّ: على أن الخمر لا تُملك بوجه، وهو مذهب الشافعي. وقال بعض أصحابنا: إنَّها تُملك. وليس بصحيح؛ إذ لا تُقرُّ تحت يد أحد من المسلمين، ولا يجوز له التصرُّف فيها إلا بالإراقة، ولا ينتفع بها. فأي معنى لقول من قال: إنه يملكها؟ ! غير أنه يُطلق لفظ التمليك بالمجاز المحض. والله أعلم.
فرع: لو تخلَّلت الخمر بأمرٍ من الله عز وجل حلَّت. ولا خلاف في ذلك على ما حكاه القاضي عبد الوهاب. فأمَّا لو خلَّلها آدمي فقد أثم؛ لاقتحامه النهي، ثم إنها تحل وتطهر، على الرواية الظاهرة عن مالك، وعنه رواية أخرى: أنها