للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي رواية عن البراء: قال: قَالَ أَبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ: لَمَّا خَرَجنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِن مَكَّةَ إِلَى المَدِينَةِ. وذكر نحوه.

رواه أحمد (١/ ٣)، والبخاريُ (٢٤٣٩)، ومسلم (٢٠٠٩) (٩٠ و ٩١).

ــ

رَيَّه، وكأنَّه شقَّ عليه ما كان فيه من الحاجة إلى اللَّبن، فلمَّا شرب وزال عنه ذلك رضي به. وفي رواية أخرى: فأرضاني. والمعنى واحد. وقد يقال: كيف أقدم أبو بكر على حلب ما لم يؤذن له في حلبه؟ وكيف شرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك اللَّبن ولم يكن مالكه حاضرًا، ولا أذن في ذلك، مع نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن مثل هذا بقوله: (لا يحلبن أحدٌ ماشية أحد إلا بإذنه).

وقد أجيب عن ذلك بأجوبة:

أحدها: إن ذلك اللَّبن كان تافهًا لا قيمة له، لا سيما مع بُعدِه عن العمارة، فكأنه إن لم يَشرَب وإلا تَلِفَ. فيكون هذا من باب قوله في الشَّاة: (هي لك، أو لأخيك، أو للذئب) (١).

قلت: وهذا ليس بشيء؛ لأنَّ الحبَّة من مال الغير لا تحل إلا بطيب نفس منه. وتشبيهها باللقطة فاسدٌ، فإنَّ اللَّبن في الضَّرع محفوظ كالطَّعام في المشربة. ثم لم يكن على بعد من العمران بدليل إدراك سراقة لهم حين سمع أخبارهم من مكة، وخرج من فوره، فأدركهم يومه ذلك، على ما تدلُّ عليه قصته في كتب السِّير، والله أعلم.

وثانيها: إن عادة العرب جارية بذلك، فعَمِلا على العادة، وذلك قبل ورود النهي المذكور عن ذلك.

وثالثها: إنه - صلى الله عليه وسلم - كان في حاجة وضرورة إلى ذلك، ولا خلاف في جواز مثل


(١) رواه أحمد (٤/ ١١٦)، والبخاري (٥٢٩٢)، ومسلم (١٧٢٢) (٥)، وأبو داود (١٧٠٨)، والنسائي في الكبرى (٥٨٠٢)، وابن ماجه (٢٥٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>