للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٨٣] وعَن أَبِي هُرَيرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ

ــ

قال المؤلف - رحمه الله -: وقد بيَّن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الحدَّ الأحسَنَ والجائزَ في الإزار الذي لا يجوزُ تعدِّيه؛ فقال فيما رواه أبو داود، والنَّسَائي من حديثِ أبي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ: أُزرَةُ المُؤمِنِ إِلَى أَنصَافِ سَاقَيهِ، لَا جُنَاحَ عَلَيهِ فِيمَا بَينَهُ وَبَينَ الكَعبَينِ، مَا أَسفَلَ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ (١).

والمَنَّان: فَعَّالٌ من المَنِّ، وقد فسَّره في الحديث، فقال: هو الَّذِي لَا يُعطِي شَيئًا إِلَاّ منَّة؛ أي: إلا امتَنَّ به على المُعطَى له، ولا شَكَّ في أنَّ الامتنانَ بالعطاء، مبطلٌ لأجرِ الصدقةِ والعطاء، مُؤذٍ للمُعطَى له؛ ولذلك قال تعالى: لَا تُبطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالمَنِّ وَالأَذَى.

وإنَّما كان المَنُّ كذلك؛ لأنَّه لا يكونُ غالبًا إلا عن البُخلِ، والعُجبِ، والكِبر، ونسيانِ مِنَّةِ الله تعالى فيما أنعَمَ به عليه؛ فالبخيلُ: يعظِّمُ في نفسه العَطِيَّةَ، وإن كانت حقيرةً في نفسها، والعُجبُ: يحمله على النظرِ لنفسه بعين العَظَمة، وأنَّه مُنعِمٌ بمالِهِ على المعطَى له، ومتفضِّلٌ عليه، وإنَّ له عليه حَقًّا يجبُ عليه مراعاتُهُ، والكِبرُ: يحمله على أن يحتقر المُعطَى له، وإن كان في نفسه فاضلاً، ومُوجِبُ ذلك كلِّه الجهلُ، ونِسيانُ مِنَّةِ الله تعالى فيما أنعَمَ به عليه؛ إذ قد أنعَمَ عليه مما يُعطِي، ولم يَحرِمهُ ذلك، وجعله ممَّن يُعطِي، ولم يجعلهُ ممَّن يَسأَل، ولو نظَرَ ببصيرة (٢) لعَلِمَ أنَّ المِنَّةَ للآخذ؛ لِمَا يُزِيلُ عن المعطي مِن إثمِ المنعِ وذَمِّ المانع، ومن الذنوب، ولِمَا يحصُلُ له من الأجرِ الجزيل، والثناءِ الجميل، ولبسط هذا موضعٌ آخر.

وقيل: المَنَّانُ في هذا الحديث: هو مِنَ المَنِّ الذي هو القَطع؛ كما قال الله تعالى: لَهُم أَجرٌ غَيرُ مَمنُونٍ أي: غَيرُ مقطوع؛ فيكونُ معناه: البخيلَ بقطعِهِ عطاءَ ما يجبُ عليه للمستَحِقِّ؛ كما قد جاء


(١) رواه أبو داود (٤٠٩٣)، والنسائي في السنن الكبرى (٩٧١٥).
(٢) في (م) و (ط) و (ع): ببصره، والمثبت من (ل).

<<  <  ج: ص:  >  >>