تفريط، وأنَّه إنما كان ذلك امتناعًا من الأضياف: أدَّبهم بقوله لهم: (لا هنيئًا). وحلف لا يطعمه. وذلك: أن هؤلاء الأضياف تحكموا على ربِّ المنزل بالحضور معهم، وقالوا: لا نأكل حتى يحضر أبو منزلنا، فنكدوا على أهل المنزل. ولا يلزم حضور ربِّ المنزل مع الضيف إذا أحضر ما يحتاجون إليه، فقد يكون في مهم من أشغاله لا يمكنه تركه، فهذا منهم جفاء. لكن حملهم على ذلك: صدق رغبتهم في التبرُّك بمؤاكلته، وحضوره معهم. فأبوا حتى يجيء، وانتظروه، فجاء فصدر منه ذلك، فتكدَّر الوقت، وتشوش الحال عليهم أجمعين. وكانت نزغة شيطان، فأزال الله تعالى ذلك النكد بما أبداه من الكرامة، والبركة في ذلك الطعام، فعاد ذلك النكد سرورًا، وانقلب الشيطان مدحورًا، وعند ذلك عاد أبو بكر - رضي الله عنه - إلى مكارم الأخلاق، فأحنث نفسه، وأكل مع أضيافه، وطيَّب قلوبهم، وحصل مقصودهم لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير)(١).
وقول أبي بكر لامرأته - وهي: أم رومان -: (يا أخت بني فراس! ) هو ابن غنم بن مالك بن كنانة، وهي من ولده.
وقولها في جواب أبي بكر:(لا، وقرَّة عيني لهي الآن أكثر) أي: ما نقصت شيئًا، بل زادت. فحذفت اختصارًا؛ قاله عياض.
قلت: والأولى أن يقال: إنها أقسمت بما رأت من قرة عينها بكرامة الله
(١) رواه أحمد (٢/ ١٨٥ و ٢١١)، والنسائي (٧/ ١٥)، وابن ماجه (٢١١١).