وَأَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: مَن حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيرِ الإِسلَامِ كَاذِبًا فهو كما قال - وَفِي رِوَايَةٍ: مُتَعَمِّدًا - وَمَن قَتَلَ نَفسَهُ بِشَيءٍ، عُذِّبَ بِهِ يَومَ القِيَامَةِ،
ــ
موضعٌ فيه ماءٌ، بينه وبين مَكَّةَ نحو من أميال - صَدَّتهُ قريشٌ عن الدخولِ إلى البيت، فوجَّه لهم عثمانَ رَسُولاً، فَتُحُدِّثَ أنَّ قريشًا قتلوه، فتهيَّأَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لحربهم، فبايَعَ أصحابَهُ تلك البيعةَ على الموت، أو على ألَاّ يَفِرُّوا؛ كما سيأتي، إن شاء الله تعالى.
و(قوله: مَن حلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيرِ الإسلَامِ) اليمينُ هنا: يعني به المحلوفَ عليه؛ بدليلِ ذكرِهِ المحلوفَ به، وهو بملَّةٍ غيرِ الإسلام. ويجوز أن يقال: إنَّ عَلَى صِلَةٌ، وينتصبُ يَمِين على أنَّه مصدرٌ مُلَاقٍ في المعنَى لا في اللفظ.
و(قوله: كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا) يحتملُ أن يريدَ به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: مَن كان معتقدًا لتعظيمِ تلك المِلّةِ المغايرةِ لملَّةِ الإسلام؛ وحينئذٍ يكونُ كافرًا حقيقةً، فيبقى اللفظُ على ظاهره. وكاذبًا: منصوبٌ على الحال؛ أي: في حال تعظيمِ تلك المِلَّة التي حلَفَ بها، فتكونُ هذه الحالُ من الأحوالِ اللازمة؛ كقوله تعالى: وَهُوَ الحَقُّ مُصَدِّقًا؛ لأنَّ مَن عظَّم مِلَّةً غيرَ الإسلام، كان كاذبًا في تعظيمِهِ دائما في كلِّ حالٍ وكلِّ وقتٍ، لا ينتقلُ عن ذلك.
ولا يصلُحُ أن يقال: إنَّه يعني بكونه كاذبًا في المحلوفِ عليه؛ لأنَّه يستوي في ذَمِّهِ كونُهُ صادقًا أو كاذبًا إذا حلَفَ بِمِلَّةٍ غيرِ الإسلام؛ لأنَّه إنَّما ذمَّهُ الشرعُ مِن حيثُ إنَّه حَلَفَ بتلك الملَّةِ الباطلة، معظِّمًا لها على نحو ما تعظَّمُ به ملَّةُ الإسلامِ الحَقِّ؛ فلا فَرقَ بين أن يكونَ صادقًا أو كاذبًا في المحلوفِ عليه، والله تعالى أعلم.
وأمَّا إن كان الحالفُ بذلك غيرَ معتقِدٍ لذلك: فهو آثمٌ مرتَكِبٌ كبيرةً؛ إذ قد نسبه في قوله لمَن يعظِّمُ تلك المِلَّةَ ويعتقدها، فغُلِّظَ عليه الوعيدُ؛ بأن صيّرَه كواحدٍ منهم، مبالغةً في الرَّدعِ والزَّجر؛ كما قال تعالى: وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم. وهل تجبُ عليه كفَّارةٌ أم لا؟ اختلَفَ العلماءُ في ذلك: فَرُوِيَ عن