للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويقال: القَرحُ والقُرحُ - بفتح القاف وضمِّها - لغتان عن الأخفش، وقال غيره: القَرحُ، بالفتح: الجَرح، وبالضمِّ: ألمُ الجراح.

و(قوله: فَنَكَأَهَا) بهمزةٍ مفتوحةٍ على الألف، أي: قَشَرها وفَجَرها.

و(قوله: فَلَم يَرقَأِ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ) أي: لم ينقطع، وهو بالهمز؛ يقال: رَقَأ الدَّمُ يَرقَأُ: إذا انقطع؛ ويروى أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: لَا تَسُبُّوا الإِبِلَ؛ فَإِنَّ فِيهَا رَقُوءَ الدَّمِ (١)، أي: إذا دُفِعَتِ الإبلُ في الدية، ارتفَعَ القصاصُ والقَتلُ وانقطَعَ الدم.

وهذا الفعلُ مِن هذا الرجل يَحتملُ أن يكونَ: إنَّما حمله عليه الجزَعُ والتبرُّمُ واستعجالُ الموت؛ فيكونُ ممَّن قتَلَ نفسه بحديدةٍ؛ فيكونُ فِعله نحوًا ممَّا فعله الذي أصابتهُ جِرَاحَةٌ في الحرب، فاستعجَلَ الموتَ، فوضَعَ نَصلَ سيفه بالأرض، وذُبَابَهُ (٢) بين ثديَيهِ، فتحامَلَ عليه، فقتَلَ نفسه. ويَحتملُ أن يكونَ قصَدَ بَطَّ (٣) تلك الجراحةِ؛ ليخفف عنه الألَمُ، ففرَّطَ في التحرُّز، فعوقبَ على تفريطه. ويُستفادُ مِنَ التأويلِ الأوَّل: وجوبُ الصبرِ على الآلام، وتحريمُ استعجالِ الموتِ عند شِدَّةِ الآلام وإن أيقَنَ به. ومِنَ التأويل الثاني: وجوبُ التحرُّزِ مِنَ الأدويةِ المَخُوفَةِ والعلاجِ الخطر، وتحريمُ التقصيرِ في التحرُّزِ مِن ذلك، والله تعالى أعلم.

و(قوله: لَعنُ المُؤمِنِ كَقَتلِهِ) أي: في الإثم. ووجهه: أنَّ مَن قال لمؤمنٍ: لَعَنَهُ اللهُ، فقد تضمَّنَ قولُهُ ذلك إبعادَهُ عن رحمةِ الله تعالى التي رَحِمَ بها المسلمين، وإخراجَهُ مِن جملتهم في أحكامِ الدنيا والآخرة، ومَن كان كذلك، فقد صار بمنزلةِ المَفقُودِ عن المسلمين بعد أَن كان موجودًا فيهم؛ إذ لم يَنتفِع بما انتفَعَ به المسلمون، ولا انتفَعُوا به؛ فأشبَهَ ذلك قتلَهُ. وعلى هذا فيكونُ إثمُ اللاعنِ كَإِثمِ القاتل، غير أنَّ القاتِلَ أَدخَلُ في الإثم؛ لأنَّه أفقَدَ المقتولَ حِسًّا ومعنًى، واللاعنُ


(١) ذكره ابن الأثير في النهاية (٢/ ٢٤٨).
(٢) "ذبابُ السيف": حد طرفه الذي بين شفرتيه.
(٣) "بطّ الجرح": شقّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>