رواه أحمد (٢/ ٥١٠)، والبخاريُّ (٦٢٣٢ و ٦٢٣٣)، ومسلم (٢١٦٠)، وأبو داود (٥١٩٨ و ٥١٩٩)، والترمذيُّ (٢٧٠٤ و ٢٧٠٥).
ــ
مرة؛ وإنما لم يتعرض لذكر الأولى؛ لأنَّها لا تدخل تحت خطاب تكليف؛ إذ وقوعها لا يتأتى أن يكون مقصودًا، فلا تكون مكتسبة، فلا يكون مكلفًا بها، فأعرض عما ليس مكلَّفًا به، ونهاه عما يُكلَّف به؛ لأنَّ استدامة النظر مكتسبة للإنسان؛ إذ قد يستحسن ما وافقه بصره، فيتابع النظر، فيحصل المحذور - وهو النظر إلى ما لا يحل -. ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: (لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الثانية)(١).
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (يُسلِّم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير) قد تقدَّم الأمر بالسلام، وبإفشائه في كتاب الإيمان، ولا خلاف بين العلماء في أن الابتداء بالسلام سُنَّة، وأن الرد واجب، قاله أبو محمد عبد الوهاب. وقال أبو عمر بن عبد البر: أجمع العلماء: على أنَّ الابتداء بالسَّلام سُنَّة والردُّ فريضة. غير أن أبا عبد الله المازري قال: الابتداء بالسَّلام سُنَّة والردُّ واجب في المشهور؛ فإذا ردَّ واحدٌ من الجماعة أجزأ عنهم، ثمَّ إن الناس في الابتداء بالسَّلام إما أن تتساوى أحوالهم، أو تتفاوت. فإن تساوت فخيرهم الذي يبدأ صاحبه بالسلام: كالماشي على الماشي، والراكب على الراكب، غير أن الأولى مبادرة ذوي المراتب الدينية، كأهل العلم، والفضل احترامًا لهم، وتوقيرًا، وأما ذوي المراتب الدنيوية المحضة فإنَّ سلَّموا يردَّ عليهم، وإن ظهر عليهم إعجاب، أو كبر فلا يُسلَّم عليهم؛ لأنَّ ذلك معونة لهم على المعصية، وإن لم يظهر ذلك عليهم جاز أن يُبدؤوا بالسَّلام، وابتداؤهم هم بالسلام أولى بهم؛ لأنَّ ذلك يدلّ على