للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٢٠٧٠] وعن أبي طَلحَةَ قال: كُنَّا قُعُودًا بِالأَفنِيَةِ نَتَحَدَّثُ، فَجَاءَ

ــ

تواضعهم، وإن تفاوتت فالحكم فيها على ما يقتضيه هذا الحديث، فيبدأ الراكب بالسَّلام على الماشي لعلوِّ مرتبته؛ لأنَّ ذلك أبعد له من الزهو. وأمَّا الماشي: فقد قيل فيه مثل ذلك، وفيه بُعد؛ إذ الماشي لا يزهى بمشيه غالبًا. وقيل: هو معلل: بأن القاعد قد يقع له خوف من الماشي؛ فإذا بدأه بالسَّلام أمن من ذلك، وهذا أيضًا بعيد؛ إذ لا خصوصية للخوف بالقاعد، فقد يخاف الماشي من القاعد، وأشبه من هذا أن يقال: إن القاعد على حال وقار وثبوت وسكون، فله مزيَّة على الماشي بذلك؛ لأنَّ حاله على العكس من ذلك. وأما ابتداء القليل بالسَّلام على الكثير فمراعاة لشرفية جمع المسلمين وأكثريتهم.

وقد زاد البخاري في هذا الحديث: (ويسلم الصغير على الكبير) وهذه المعاني التي تكلَّف العلماء إبرازها هي حكم تناسب المصالح المحسِّنة والمكمِّلة، ولا نقول: إنها نصبت نصب العلل الواجبة الاعتبار، حتى لا يجوز أن يعدل عنها، فنقول: إن ابتداء القاعد للماشي غير جائز، وكذلك ابتداء الماشي الراكب، بل يجوز ذلك؛ لأنَّه مُظهر للسَّلام، ومفشٍ له كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (أفشوا السَّلام بينكم) (١)، وبقوله: (إذا لقيت أخاك فسلم عليه) (٢) وإذا تقرر هذا فكل واحد من الماشي والقاعد مأمور بأن يسلِّم على أخيه إذا لقيه، غير أن مراعاة تلك المراتب أولى، والله أعلم.

ثم هذا السَّلام المأمور به، وهو أن يقول: السَّلام عليكم، أو: سلامٌ عليكم؛ إذ قد جاء اللفظان في الكتاب والسنة. والسلام في الأصل بمعنى: السلامة، كاللذاذ واللذاذة، كما قال تعالى: {فَسَلامٌ لَكَ مِن أَصحَابِ اليَمِينِ} أي: فسلامةٌ؛ فعلى هذا يكون معنى قول المسلم (سلام عليك)


(١) رواه مسلم (٥٤) من حديث أبي هريرة.
(٢) رواه أبو داود (٥٢٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>