للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: احجُب نِسَاءَكَ، فَلَم يَكُن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَفعَلُ، فَخَرَجَت سَودَةُ بِنتُ زَمعَةَ، زَوجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَيلَةً مِن اللَّيَالِي، عِشَاءً، وَكَانَت امرَأَةً طَوِيلَةً، فَنَادَاهَا عُمَرُ: أَلَا قَد عَرَفنَاكِ، يَا سَودَةُ! حِرصًا عَلَى أَن يُنزَلَ الحِجَابُ. قَالَت

ــ

خروجهن إلى الحدث؛ إذ لم يكن لهم كنف في البيوت؛ كانوا لا يتخذونها استقذارًا، فكانت النساء يخرجن بالليل إلى خارج البيوت، ويبعدن عنها إلى هذا الموضع. وقد نصَّت على هذا عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك.

وقول عمر - رضي الله عنه - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (احجب نساءك) مصلحة ظهرت لعمر فأشار بها، ولا يظن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أن تلك المصلحة خفيت عليه، لكنَّه كان ينتظر الوحي في ذلك، ولذلك لم يوافق عمر على ذلك حين أشار عليه به، لا سيما وقد كانت عادة نساء العرب ألا يحتجبن لكرم أخلاق رجالهم، وعفاف نسائهم غالبًا، ولذلك قال عنترة:

وأغُضُّ طرفي ما بدت لي جارتي ... حتى يواري جارتي مأواها

فلما لم يكن هنالك ريبة؛ تركهم، ولم ينههم استصحابًا للعادة، وكراهة لابتداء أمرٍ أو نهي؛ فإنَّه كان يحبُّ التخفيف عن أمته.

ففيه من الفقه: الإشارة على الإمام بالرأي، وإعادة ذلك إن احتاج إليها، وجواز إشارة المفضول على الفاضل، وجواز إعراض المشار عليه، وتأخير الجواب إلى أن يتبيَّن له وجه يرتضيه.

وقول عمر - رضي الله عنه - في هذا الحديث: (ألا قد عرفناك يا سودة) يقتضي: أن ذلك كان من عمر - رضي الله عنه - قبل نزول الحجاب؛ لأنَّ عائشة رضي الله عنها قالت فيه: حرصًا على أن ينزل الحجاب، فأنزل الحجاب. والرواية الأخرى تقتضي أن ذلك كان بعد نزول الحجاب، فالأولى أن يحمل ذلك على أن عمر تكرر منه هذا القول قبل نزول الحجاب وبعده، ولا بُعد فيه. ويحتمل

<<  <  ج: ص:  >  >>