للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثُمَّ قُمتُ لِأَنقَلِبَ، فَقَامَ مَعِيَ لِيَقلِبَنِي، وَكَانَ مَسكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ، فَمَرَّ رَجُلَانِ مِن الأَنصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَسرَعَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: عَلَى رِسلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنتُ حُيَيٍّ،

ــ

زيارة المعتكف، والتحدُّث معه، غير أنه يكره الإكثار من ذلك؛ لئلا يشتغل عما دخل إليه من التفرُّغ لعبادة الله تعالى، وعلى أنه: لا تكره له الخلوة مع أهله في معتكفه، ولا الحديث معها، وإنما الممنوع المباشرة، لكن هذا للأقوياء، وأما من يخاف على نفسه غلبة شهوة، فلا يجوز لئلا يفسد اعتكافه. وقد كان كثير من الفضلاء يجتنبون دخول منازلهم في نهار رمضان مخافة الوقوع فيما يفسد الصوم، أو ينقص ثوابه.

وقولها: (ثم قمت لأنقلب، فقام ليقلبني) أي: لأنصرف.

و(ليقلبني): يصرفني، وهو مفتوح الياء ثلاثيًّا، وهذا يدلّ على أن للمعتكف أن ينصرف في المسجد، وإلى بابه إذا دعته إلى ذلك حاجة؛ غير أنه لا يخرج من بابه إلا للأمور الضرورية التي تقدَّم ذكرها، وقد روي في هذا الحديث: أنه إنما خرج معها إلى باب المسجد. وعلى هذا تأوَّل البخاري، ولم يختلف العلماء: أنه لا يفسده خروجه إلى باب المسجد، وإن اختلفوا في كراهة تصرُّفه فيه لغير ضرورة، كزيارة مريض، أو صلاة على جنازة، أو صعود إلى المنارة للأذان، أو الجلوس إلى قومٍ ليصلح بينهم، فكره مالك كل ذلك في المشهور عنه.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (على رسلكما؛ إنما هي صفيَّة) الرِّسل - بكسر الراء -: الرفق واللين، وليس فتح الراء فيه معروفًا. و (الرِّسل) بالكسر أيضًا: اللبن. وقد جاء: أرسل القوم: صار لهم اللبن في مواشيهم.

و(الرَّسَل) بفتح الراء والسين: القطيع من الخيل، والإبل، والغنم، وجمعه: أرسال. يقال: جاءت الخيل أرسالًا؛ أي: قطيعًا قطيعًا، و (إنما) هنا لتحقيق المتصل بها، وتمحيق المنفصل عنها، كقوله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} أي: الإلهية متحققة له منفيَّة عن

<<  <  ج: ص:  >  >>