للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَقَالَا: سُبحَانَ اللَّهِ! يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: إِنَّ الشَّيطَانَ يَجرِي مِن الإِنسَانِ مَجرَى الدَّمِ،

ــ

غيره. فكأنه قال: هذه صفيَّة لا غيرها حَسمًا لذريعة التُّهم، وردًا لتسويل الشيطان ووسوسته، كما قد نصَّ عليه، وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتَّقي مواقع التُّهم عند (١) قيام الأدلة القاطعة على عصمته كان غيره بذلك أولى.

وقول الرجلين: (سبحان الله) معنى هذه الكلمة في أصلها: البراءة لله من السُّوء. لكنها قد كثر إطلاقها عند التعجب والتفخيم، أو الإنكار، كما قال تعالى: {سُبحَانَكَ هَذَا بُهتَانٌ عَظِيمٌ} وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: (سبحان الله إن المؤمن لا ينجس) (٢) ومثله كثير، وهذا الموضع منها، فكأنهما قالا: البراءة لله تعالى من أن يخلق في نفوسنا ظنَّ سوَّء بنبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك قال في الرواية الأخرى: (ومن كنت أظن به فلم أكن أظن بك! ).

وقوله: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) حمله بعض العلماء على ظاهره. فقال: إن الله تعالى جعل للشيطان قوَّة وتمكُّنًا من أن يسري في باطن الإنسان، ومجاري دمه. والأكثر على أن معنى هذا الحديث: الإخبار عن ملازمة الشيطان للإنسان واستيلائه عليه بوسوسته، وإغوائه، وحرصه على إضلاله، وإفساد أحواله. فيجب الحذر منه، والتحرُّز من حيله، وسدُّ طرق وسوسته، وإغوائه وإن بعدت. وقد بين ذلك في آخر الحديث بقوله: (إني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًّا، فتهلكا) (٣) وخصوصًا في مثل هذا الذي يفضي بالإنسان إلى


(١) في (ج ٢): مع.
(٢) رواه أحمد (٢/ ٢٣٥)، والبخاري (٢٨٣)، ومسلم (٣٧١)، وأبو داود (٢٣١)، والترمذي (١٢١)، والنسائي (١/ ١٤٥)، وابن ماجه (٥٣٤).
(٣) هذه الكلمة ليست في الحديث الذي في التلخيص، ولا في رواياته في صحيح مسلم، وهي في غير مسلم كما أشار إلى ذلك بعد قليل. ولم نجدها في المصادر الحديثية المتوافرة لدينا.

<<  <  ج: ص:  >  >>