للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ونبَّه على أن ذلك بسبب عظم ضررها، وما لم يتحقَّق ضررُه: فما كان منها في غير البيوت قُتل أيضًا؛ لظاهر الأمر العام في هذا الحديث، وفي حديث ابن مسعود (١) - رضي الله عنه -؛ ولأن نوع الحيَّات غالبه الضرر فيُستصحب ذلك فيه، ولأنه كلُّه مُرَوِّع بصورته، وبما في النفوس من النُّفرة منه، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حيَّة) (٢) فشجَّع على قتلها. وقال فيما خرَّجه أبو داود من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعًا: (اقتلوا الحيَّات؛ فمن خاف ثأرهنَّ فليس منِّي) (٣) وأما ما كان منها في البيوت؛ فما كان بالمدينة، فلا يقتل حتى يؤذن ثلاثة أيام؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا، فإذا رأيتم منها شيئًا فآذنوه ثلاثة أيام) (٤) وهل يختصُّ ذلك الحكم بالمدينة؛ لأنَّا لا نعلم هل أسلم من جنِّ غير أهل المدينة أحد أم لا؟ وبه قال ابن نافع. أو لا يختص؟ وينهى عن قتل جنان جميع البلاد حتى يُؤذَن ثلاثة أيام؟ وهو قول مالك، وهو الأولى، لعموم نهيه عن قتل الجنان التي تكون في البيوت؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: (خمس فواسق يقتلن في الحلِّ والحرم) (٥) وذكر فيهن الحيَّة، ولأنا قد علمنا قطعًا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلَّغ الرِّسالة للنَّوعين، وأنَّه قد آمن به خلق كثير من النوعين؛ بحيث لا يحصرهم بلد، ولا يحيط بهم عدد. والعجب من ابن نافع؛ كأنه لم تكن له أذن سامع، وكأنه لم يسمع قوله تعالى: {وَإِذ صَرَفنَا إِلَيكَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ يَستَمِعُونَ القُرآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوا إِلَى قَومِهِم مُنذِرِينَ}


(١) الحديث رواه مسلم في صحيحه (٢٢٣٤) عن عبد الله بن مسعود، ولم يرد في التلخيص.
(٢) ذكره ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج" ص ٤٤.
(٣) رواه أبو داود (٥٢٤٩).
(٤) رواه مسلم (٢٢٣٦) (١٣٩ و ١٤٠)، وأبو داود (٥٢٥٩)، والترمذي (١٤٨٤).
(٥) رواه أحمد (٦/ ٢٥٩)، والبخاري (٣٣١٤)، ومسلم (١١٩٨) (٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>