وفي رواية مرفوعا: يُؤذِينِي ابنُ آدَمَ؛ يَسُبُّ الدَّهرَ، وَأَنَا الدَّهرُ، أُقَلِّبُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ.
رواه أحمد (٢/ ٢٧٢)، والبخاريُّ (٦١٨١)، ومسلم (٢٢٤٦)(٢ و ٥).
* * *
ــ
الشريعة وفي لسان أهلها، تارة يخبر بها، وأخرى يخبر عنها، وأخرى يُدعى ويُنادى بها، ولم يوجد للدَّهر شيء من ذلك، فلا يكون اسمًا من أسمائه تعالى. ثمَّ لو سُلِّم أن النصب يصح في ذلك اللفظ على ذلك الوجه، فلا يصح شيء من ذلك في الرِّواية التي قال فيها:(لا تسبُّوا الدَّهر، فإنَّ الله هو الدَّهر) ولم يذكر: (أقلِّب الليل والنهار)؟ ولا يصح أن يقال: إن هذه الرواية مطلقة، والأولى مقيدة؛ لأنَّا إن صرنا إلى ذلك لزم نصب (الدَّهر) بعامل محذوف ليس في الكلام ما يدلّ عليه، ولزم حذف الخبر، ولا دليل عليه. وكل ذلك باطل من اللسان قطعًا، وإذا ثبت ذلك، فاعلم: أنه لما كان اعتقاد الجاهلية: أن الدَّهر هو الذي يفعل الأفعال، ويذمُّونه إذا لم تحصل أغراضهم: أعلمهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن الله يفعل كل شيء، فإذا سبُّوا الدَّهر من حيث: إنه الفاعل، ولا فاعل إلا الله، فكأنَّهم سبُّوا الله تعالى، فلذلك قال الله تعالى:(يسبُّ ابن آدم الدَّهر وأنا الدَّهر) أي: أنا الذي أفعل ما ينسبونه للدَّهر، لا الدَّهر، فإنَّه ليل ونهار، وأنا أقلبهما؛ أي: أتصرف فيهما بالإطالة، والإقصار، والإضاءة، والإظلام.
وفيه تنبيه: على أن ما يُفعل ويُتصرَّف فيه لا يصلح لأن يفعل. وهذا المعنى هو الذي عبَّر عنه الحكماء بقولهم: ما له طبيعة عدميَّة يستحيل أن يفعل فعلًا حقيقيًّا. والله تعالى أعلم.