للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي رواية: لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُم عَبدِي، فَكُلُّكُم عَبِيدُ اللَّهِ، وَلَكِن

ــ

(وإن الله مولاكم) وقد رواه عن الأعمش جرير، ولم يذكر ذلك. وقد روي من طرق متعددة مشهورة، وليس ذلك مذكورًا فيها، بل: اللفظ الأول؛ فظهر بهذا: أن اللفظ الأول أرجح. وإنما صرنا للترجيح للتعارض بين الحديثين، فإنَّ الأول يقتضي إباحة قول العبد: مولاي. والثاني يقتضي منعه من ذلك، والجمع متعذر، والعلم بالتاريخ مفقود، فلم يَبقَ إلا الترجيح؛ كما ذكرناه، والله تعالى أعلم.

وأمره - صلى الله عليه وسلم - بأن يقول: غلامي، وفتاي، وفتاتي، وجاريتي: إنَّما كان لأن هذه الألفاظ تنطلق على الحر والعبد، وليس فيها من معنى الملك، ولا من التعاظم شيء مما في: عبدي، وأمتي. وأصل الفتوة: الشباب، وهو من الفتاء - بالمد - ثم قد استعمل الفتى فيمن كملت فضائله، ومكارمه، كما قالوا: لا فتًى إلا علي. ومن هذا أخذ الصُّوفيَّة الفتوة المتعارفة بينهم. وأصل الغلوميَّة في بني آدم، وهي للصغير، فينطلق على الصغير اسم غلام من حين يولد إلى أن يبلغ، فينقطع عنه ذلك الاسم، وكذلك: الجارية في النِّساء.

تنبيه: إذا أطلق (ربّ) على غير الله تعالى فإنما يطلق مضافًا، فيقال: ربُّ الدَّار، وربُّ الفرس. ولا يطلق وفيه الألف واللام إلا إذا أريد به الله تعالى، قاله الجوهري، وغيره.

و(قوله: ولا يقل العبد: ربِّي، وليقل: سيِّدي) إنما فرَّق بينهما: لأن الربَّ من أسماء الله تعالى المستعملة بالاتفاق. واختلف في السَّيِّد؛ هل هو من أسماء الله تعالى أم لا؟ فإذا قلنا: ليس من أسمائه فالفرق واضح؛ إذ لا التباس، ولا إشكال يلزم من إطلاقه، كما يلزم من إطلاق الرَّبِّ. وإذا قلنا: إنه من أسمائه؛ فليس في الشهرة والاستعمال كلفظ: الربِّ؛ فيحصل الفرق بذلك. وأما من حيث اللغة: فالربُّ مأخوذٌ مما ذكرناه، والسَّيِّد من السؤدد، وهو التقدُّم. يقال: ساد قومه: إذا تقدَّمهم، ولا شكَّ في تقدُّم السَّيِّد على غلامه، فلما حصل الافتراق جاز

<<  <  ج: ص:  >  >>