للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأن الشرع قد أخبر بذلك، كقصة سحرة فرعون، وبقوله تعالى فيها: {وَجَاءُوا بِسِحرٍ عَظِيمٍ} و {يُخَيَّلُ إِلَيهِ مِن سِحرِهِم أَنَّهَا تَسعَى} إلى غير ذلك مما تضمنته تلك الآيات من ذكر السِّحر، والسَّحرة، وكقوله تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحرَ} إلى آخرها. وبالجملة: فهو أمر مقطوع به بإخبار الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - عن وجوده، ووقوعه. فمن كذَّب بذلك فهو كافرٌ، مكذِّب لله ورسوله، منكر لما علم مشاهدة وعيانًا. ومنكر ذلك إن كان مُستسرًّا به فهو الزنديق، وإن كان مظهرًا فهو المرتد.

والسحر عند علمائنا: حيل صناعية يُتوصل إليها بالتعلم، والاكتساب، غير أنها لخفائها ودقتها لا يتوصل إليها إلا آحاد الناس، فيندر وقوعها، وتستغرب آثارها لندورها. ومادَّته الوقوف على خواص الأشياء، والعلم بوجوه تركيبها، وأزمان ذلك. وأكثره تخييلات لا حقيقة لها، وإيهامات لا ثبوت لها، فتعظم عند من لا يعرفها وتشتبه على من لا يقف عليها. ولذلك قال تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيهِ مِن سِحرِهِم أَنَّهَا تَسعَى} مع أنه كان في عين الناظر إليه عظيمًا. وعن ذلك عبر الله تعالى بقوله: {وَجَاءُوا بِسِحرٍ عَظِيمٍ} لأن الحبال والعصي لم تخرج عن حقيقتها، وذلك بخلاف عصا موسى، فإنَّها انقلبت ثعبانًا مبينًا خرقًا للعادة، وإظهارًا للمعجزة. ولا ينكر أن السِحر له تأثير في القلوب بالحب والبغض، وبإلقاء الشرور حتى يفرق الساحر بين المرء وزوجه، ويحول بين المرء وقلبه، وبإدخال الآلام، وعظيم الأسقام؛ إذ كل ذلك مدرك بالمشاهدة، وإنكاره معاندة. وعلى ما قررناه فالسحر ليس بخرق عادة بل هو أمر عادي يتوصَّل إليه من يطلبه غالبًا؛ غير أنه يقل ويندر. فلا نقول: إن السَّاحر تنخرق له العادة؛ خلافًا لمن قال من أئمتنا وغيرهم: إن العادة تنخرق له. فإن أراد بذلك جواز انخراقها له عادة عقلًا فمسلّم، ما لم يدّع النبوة. فإنَّ حاصل ذلك أنه أمر ممكن. والله تعالى قادر على كل ممكن. وإن أراد بذلك: أن الذي وقع في الوجود خارق للعادة فهو

<<  <  ج: ص:  >  >>