للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَهُودِ بَنِي زُرَيقٍ، يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بنُ الأَعصَمِ، قَالَت: حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّلُ إِلَيهِ أَنَّهُ يَفعَلُ الشَّيءَ، وَمَا يَفعَلُهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَومٍ - أَو ذَاتَ

ــ

باطل بما قدَّمناه. واستيفاء مباحثه في علم الكلام.

وقولها: (حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله) قد جعل هذا بعض أهل الزَّيغ مطعنًا في النبوة. وقال: إذا انتهى الحال إلى هذا لم يوثق بقول من كان كذلك. والجواب: إن هذا صَدَر عن سوء فهم وعدم علم. أما سوء الفهم؛ فلأنها إنما أرادت أنه - صلى الله عليه وسلم - أخذ عن النساء، فكان قبل مقاربة الجماع يخيل إليه أنه يتأتى له ذلك، فإذا لابسه لم ينهض لغلبة مرض السحر عليه. وقد جاء هذا المعنى منصوصًا في غير كتاب مسلم. فقالت: حتى كان يخيل إليه أنه يأتي النساء (١)، فلا يأتيهن. ولو لم يُنقل أن ذلك في الجماع لصح في غيره، كما صحَّ فيه. فيتخيل إليه أنه يُقدِم على الأكل، أو المشي مثلًا؛ لأنَّه لا يُحسُّ بمانع يمنعه منه. فإذا رام ذلك، وأخذ فيه لم يتأت له ذلك، لغلبة المرض الناشئ عن السحر. لا أنه - صلى الله عليه وسلم - أوجب له (٢) خللًا في عقله، ولا تخليطًا في قوله؛ إذ قد قام برهان المعجزة على صدقه، وعصمة الله تعالى له عن الغلط فيما يبلغه بقوله وفعله. وأما عدم علم الطاعن: فقد سلبه الله تعالى العلم بأحكام النبوات، وما تدل عليه المعجزات. فكأنهم لم يعلموا أن الأنبياء من البشر، وأنه يجوز عليهم من الأمراض، والآلام، والغضب، والضجر، والعجز، والسحر، والعين، وغير ذلك، ما يجوز على البشر، لكنهم معصومون عمَّا يناقض دلالة المعجزة من معرفة الله تعالى، والصِّدق، والعصمة عن الغلط في التبليغ. وعن هذا المعنى عبَّر الله تعالى بقوله: {قُل إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثلُكُم يُوحَى إِلَيَّ}. من حيث البشرية: يجوز عليه ما يجوز عليهم. ومن حيث الخاصة النبويَّة: امتاز عنهم، وهو الذي شهد له العلي الأعلى؛ بأن بصره ما زاغ وما


(١) رواه البخاري رقم (٥٧٦٥).
(٢) أي المرض الناشئ عن السحر.

<<  <  ج: ص:  >  >>