للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رضي الله عنها: قلت: يا رسول الله! فأخرجته؟ تستفهمه: هل كان منه إخراج له؟ والرواية المتقدِّمة على العرض، وهما متقاربتان في المعنى. وفي كل الروايات فجواب النبي - صلى الله عليه وسلم - لها (١) واحدٌ، وهو: أنه لم يفعل ذلك، ولا وجد منه.

قلت: ويظهر لي: أن رواية: (أفلا أحرقته؟ ) أولى من غيرها؛ لأنَّه يمكن أن تكون استفهمته عن إحراق لبيد بن الأعصم؛ الذي صنع السِّحر فأجابها بالامتناع من ذلك؛ لئلا يقع بين الناس شرٌّ بسبب ذلك، فحينئذ يكون فيه حجَّة لمالك على قتل السَّاحر إذا عمل بسحره. وإنَّما امتنع النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك لما نبَّه عليه من خوف وقوع شرٌّ بين المسلمين واليهود؛ لما كان بينهم من العهد والذمَّة. فلو قتله: لثارت فتنة، ولتحدَّث الناس: أن محمَّدًا يقتل من عاهده وأمَّنه. وهذا نحو مِمَّا راعاه في الامتناع من قتل المنافقين، حيث قال: (لئلا يتحدَّث الناس: أن محمَّدًا يقتل أصحابه) (٢) فيكون ذلك منفرًا عن الدُّخول في دينه، وفي عهده. والله تعالى أعلم.

وقد تقدَّم: أن السَّاحر عند مالك كالزنديق؛ لأنَّ العمل عنده بالسِّحر كفر مُستَسرٌّ به، فلا تُقبل توبة السَّاحر، كما لا تقبل توبة الزنديق؛ إذ لا طريق لنا إلى معرفة صدق توبته. وقال الشافعي: إن عمل السَّحر، وقتل به؛ فإن قال: تعمدت القتل؛ قتل. وإن قال: لم أتعمده لم يقتل، وكانت فيه الدِّية. وإنما صار مالك: إلى أن السحر كفرٌ؛ لقوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِن أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحنُ فِتنَةٌ فَلا تَكفُر} أي: بالسحر. ويتأيَّد ذلك بأن الساحر لا يتم له سحره حتى يعتقد أن سحره ذلك مؤثرٌ بذاته وحقيقته، وذلك كفر.


(١) في (ج ٢): هو.
(٢) انظر: سيرة ابن هشام (٢/ ٢٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>