للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الإِسلَامَ يَهدِمُ مَا كَانَ قَبلَهُ؟ ! وَأَنَّ الهِجرَةَ تَهدِمُ مَا كَانَ قَبلَهَا؟ ! وَأَنَّ الحَجَّ يَهدِمُ مَا كَانَ قَبلَهُ؟ ! ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِن رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَا أَجَلَّ فِي عَينِي مِنهُ، وَمَا كُنتُ أُطِيقُ أَن أَملَأَ عَينَيَّ مِنهُ؛ إِجلَالاً لَهُ، وَلَو سُئِلتُ أَن أَصِفَهُ، مَا أَطَقتُ؛ لِأَنِّي لَم أَكُن أَملَأُ عَينَيَّ مِنهُ، وَلَو مُتُّ عَلَى تِلكَ الحَالِ،

ــ

و(قوله: إِنَّ الإِسلَامَ يَهدِمُ مَا كَانَ قَبلَهُ، وَإِنَّ الهِجرَةَ تَهدِمُ مَا كَانَ قَبلَهَا، وَإِنَّ الحَجَّ يَهدِمُ مَا كَانَ قَبلَهُ) الهَدمُ هنا: استعارةٌ وتوسُّع، يعني به: الإذهابَ والإزالة؛ لأنَّ الجدار إذا انهدم، فقد زالَ وضعُهُ، وذهَبَ وجودُهُ، وقد عبَّر عنه في الرواية الأخرى بالجَبِّ، فقال: يَجُبُّ، أي: يَقطَعُ، ومنه المجبوبُ، وهو المقطوعُ ذَكَرُهُ.

ومعنى العبارتَينِ واحد، ومقصودُهُمَا: أنَّ هذه الأعمالَ الثلاثةَ تُسقِطُ الذنوبَ التي تقدَّمَتهَا كلَّها، صغيرَهَا وكبيرها؛ فإنَّ ألفاظَهَا عامَّةٌ خرجَت على سؤالٍ خاصٍّ؛ فإنَّ عَمرًا إنما سأل أن يغفَرَ له ذنوبُهُ السابقةُ بالإسلام، فأُجِيبَ على ذلك؛ فالذنوبُ داخلةٌ في تلك الألفاظِ العامَّةِ قطعًا، وهي بحكم عمومها صالحةٌ لتناوُلِ الحقوقِ الشرعيَّة، والحقوقِ الآدميَّة؛ وقد ثبَتَ ذلك في حَقِّ الكافر الحربيِّ إذا أسلَمَ؛ فإنَّه لا يُطَالَبُ بشيء مِن تلك الحقوق، ولو قَتَلَ وأَخَذَ الأموالَ، لم يُقتَصَّ منه بالإجماع، ولو خرجَتِ الأموالُ مِن تحت يده، لم يطالَب بشيء منها.

ولو أسلَمَ الحربيُّ وبيده مالُ مسلمٍ؛ عَبِيدٌ، أو عُرُوضٌ، أو عَينٌ؛ فمذهبُ مالك: أنَّه لا يجبُ عليه رَدُّ شيء من ذلك؛ تمسُّكًا بعمومِ هذا الحديث، وبأنَّ للكفَّارِ شبه مِلكٍ فيما حازُوهُ من أموال المسلمين وغيرهم؛ لأنَّ الله تعالى قد نسَبَ لهم أموالاً وأولادًا؛ فقال تعالى: فَلَا تُعجِبكَ أَموَالُهُم وَلَا أَولَادُهُم.

وذهَبَ الشافعيُّ: إلى أنَّ ذلك لا يَحِلُّ لهم، وأنَّه يجبُ عليهم ردُّها إلى مَن كان يملكها مِنَ المسلمين، وأنَّهم كالغُصَّاب؛ وهذا يُبعِده: أنَّهم لو استَهلَكُوا ذلك في حالةِ كُفرهم ثُمَّ أسلموا، لم يَضمَنوا بالإجماعِ؛ على ما حكاه أبو محمَّدٍ عبدُ الوهَّاب (١).

فأمَّا أسر المسلمين


(١) هو عبد الوهاب بن محمد الفامي: فقيه شافعي (ت ٥٠٠ هـ).

<<  <  ج: ص:  >  >>