فإنَّه يرى منفعته ويدرك بركته، كما قد اتفق لصاحب هذا العسل، وإن لم يعيَّن له كيفية ولا وجهًا فسبيل العاقل ألا يقدم على استعمال شيء حتى يعرف كيفية العمل به، فليبحث عن وجه العمل اللائق بذلك الدواء، فإذا انكشف له ذلك فهو الذي أراده الصادق، وهذا البحث إنما يكون مع العلماء بالطب من المسلمين الموثوق بعلمهم وصحَّة تجربتهم.
وأما جهل هذا الطاعن بصناعة الطب فقد جازف في النقل حيث أطلق في موضع التقييد وحكى إجماعًا لا يصح له، وبيان ذلك بما قاله الإمام أبو عبد الله؛ قال: ينبغي أن يعلم أن الإسهال يَعرِض من ضروب كثيرة، فمنها: الإسهال الحادث عن التُّخم والهيضات (١)، والأطباء مجمعون في مثل هذا على أن علاجه بأن تترك الطبيعة وفعلها، وإن احتاجت إلى معين على الإسهال أعينت ما دامت القوة باقية، فأما حبسها فضرر. فإذا وضح هذا قلنا: فيمكن أن يكون هذا الرجل أصابه الإسهال عن امتلاء وهيضة، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بشرب العسل فزاده فزاده، إلى أن فنيت تلك المادة فوقف الإسهال، فوافقه شرب العسل، فإذا خرج هذا على صناعة الطب أذن ذلك بجهل المعترض بتلك الصناعة.
قال: ولسنا نستظهر على قول نبيِّنا بأن يصدقه الأطبَّاء، بل لو كذبوه لكذبناهم وكفرناهم، وصدَّقناه صلى الله عليه وسلم، فإن أوجدونا بالمشاهدة صحة ما قالوه فنفتقر حينئذ إلى تأويل كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتخريجه على ما يصح؛ إذ قامت الدلالة على أنه لا يكذب.
وقوله صدق الله، وكذب بطن أخيك تنبيه على أنه - صلى الله عليه وسلم - انتزع هذا العلاج بالعسل من قول الله تعالى:{يَخرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُختَلِفٌ أَلوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} والصحيح من قوله فِيهِ أنه عائدٌ على العسل بدليل هذا
(١) "الهيضات": مفردها: الهيضة، مرض من أعراض القيء الشديد والأسهال والهزال (الكوليرا).