شهادة ورحمة للصالحين من عباده، كما قال معاذ في طاعون الشام: إنه شهادة ورحمة لكم، ودعوة نبيكم. قال أبو قلابة: يعني بدعوة نبيكم أنه - صلى الله عليه وسلم - دعا أن يجعل فناء أمته بالطَّعن والطَّاعون (١). كذا جاءت الرواية عن أبي قلابة بالواو، قال بعض علمائنا: والصحيح بالطَّعن أو الطاعون بأو التي هي لأحد الشيئين؛ أي: لا ي تمع ذلك عليهم.
قلت: ويظهر لي أن الروايتين صحيحتا المعنى، وبيانه أن مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمته المذكورة في الحديث إنما هم أصحابه؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - قد دعا لجميع أمته ألا يهلكهم بسنة عامة ولا بتسليط أعدائهم عليهم فأجيب إلى ذلك، فلا تذهب بيضتهم ولا معظمهم بموت عام ولا بعدوٍّ على مقتضى هذا الدعاء.
والدعاء المذكور في حديث أبي قلابة يقتضي أن يفنى جميعهم بالقتل والموت العام، فتعيَّن أن يصرف الأول إلى أصحابه لأنَّهم هم الذين اختار الله لمعظمهم الشهادة بالقتل في سبيل الله وبالطاعون الذي وقع في زمانهم فهلك به بقيتهم، فعلى هذا قد جمع الله لهم كلا الأمرين، فتبقى الواو على أصلها من الجمع، أو تحمل أو على التنويعية والتقسيمية، والله تعالى أعلم.
وقوله فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه، على ظاهر هذا الحديث عمل عمر والصحابة معه - رضي الله عنهم أجمعين - لما رجعوا من سَرغ حين أخبرهم بهذا الحديث عبد الرحمن بن عوف، وإليه صاروا. وقالت عائشة رضي الله عنها: الفرار من الوباء كالفرار من الزحف، وإنما نهي عن القدوم عليه أخذًا بالحزم والحذر
(١) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٢/ ٣١١) وقال: رواه أحمد (٥/ ٢٤٨)، وأبو قلابة لم يدرك معاذ بن جبل.