للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والتحرُّز من مواضع الضرر، ودفعًا للأوهام المشوشة (١) لنفس الإنسان. وإما نهي عن الفرار منه لأنَّ الكائن في الموضع الذي الوباء فيه لعلَّه قد أخذ بحظ منه، لاشتراك أهل ذلك الموضع في سبب ذلك المرض العام، فلا فائدة لفراره، بل يضيف إلى ما أصابه من مبادي الوباء مشقات السفر فيتضاعف الألم ويكثر الضرر فيهلكون بكل طريق ويطرحون في كل فجوة ومضيق، ولذلك يقال: قلَّما فرَّ أحد من الوباء فسلم. ويكفي من ذلك موعظة قوله تعالى: {أَلَم تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم وَهُم أُلُوفٌ حَذَرَ المَوتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا} قال الحسن: خرجوا حذرًا من الطاعون فأماتهم الله تعالى في ساعة واحدة، وهم أربعون ألفًا، وقيل غير هذا. وقالت طائفة أخرى: إنه يجوز القدوم على الوباء والفرار منه، وحكي ذلك عن عمر - رضي الله عنه - فإنَّه ندم على رجوعه من سرغ، وقال: اللهم اغفر لي رجوعي من سرغ. وكتب إلى عامله بالشام بأنه إذا (٢) وقع عندكم الوباء فاكتب حتى أخرج إليه. وكتب إلى أبي عبيدة في الطاعون، فعزم عليه أن يقدم عليه مخافة أن يصيبه الطاعون. وروي عن مسروق والأسود وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم أنهم فرُّوا من الطاعون، وروي عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أنه قال: تفرَّقوا عن هذا الرجز في الشعاب والأودية ورؤوس الجبال. واعتمد أصحاب هذا القول على أن الآجال محدودة والأرزاق مقدَّرة معدودة، فلا يتقدَّم شيء على وقته، ولا يتأخر شيء عن أجله، فالواجب صحة الاعتماد على الله والتسليم لأمر الله، فإنَّ الله تعالى لا رادَّ لأمره ولا معقب لحكمه، فالقدوم على الوباء والفرار سيان بالنسبة إلى سابق الأقدار.

وتأوَّل بعضهم الحديث بأن مقصوده التحذير من فتنة الحي فيعتقد أن


(١) في (م ٣): المرسوسة.
(٢) في الأصول: (قد) وصححنا ذلك من إكمال إكمال المعلم للأبي ليستقيم المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>