رواه أحمد (٥/ ٢٠٦)، والبخاريُّ (٥٧٢٨)، ومسلم (٢٢١٨)، والترمذي (١٠٦٥).
ــ
هلاك من هلك من أجل قدومه على الوباء ونجاة من نجا من أجل فراره، قالوا: وهذا نحو نهيه عن الطيرة والقرب من المجذوم مع قوله لا عدوى، فمن خرج من بلاد الطاعون أو قدم عليها جاز له ذلك إذا أيقن أن قدومه لا يعجل له أجلًا أخره الله تعالى وأن فراره لا يؤخر عنه أجلًا عجَّله الله تعالى، ولذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه: الطاعون فتنة على المقيم والفار؛ أما الفارُّ فيقول: بفراري نجوت! وأما المقيم فيقول: أقمت فمت! وإلى نحو هذا أشار مالك حين سُئل عن كراهية النظر إلى المجذوم، فقال: ما سمعت فيه بكراهة، وما أرى ما جاء من النهي عن ذلك إلا خيفة أن يفزعه أو يخيفه شيء يقع في نفسه. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الوباء: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه، وسُئل أيضًا مالك عن البلد يقع فيه الموت وأمراض، فهل يكره الخروج (١) إليه؟ فقال: ما أرى بأسًا، خرج أو أقام. قيل: فهذا يشبه ما جاء في الحديث من الطاعون! قال: نعم.
قلت: وهذا فيه نظر سيأتي إن شاء الله في حديث ابن عباس.
وقوله في حديث أبي النضر لا يخرجكم إلا فرارًا منه رويناه بالنصب والرفع، وعلى الروايتين فهو مشكل؛ لأنَّه يفيد بحكم ظاهره أنه لا يجوز لأحد أن يخرج من الوباء إلا من أجل الفرار، وهذا محال، وهو نقيض مقصود الحديث من أوله إلى آخره قطعًا، ولما ظهر هذا الفساد قيَّده بعض رواة الموطأ الإفرار بهمزة مكسورة وسكون الفاء، توهَّم فيه أنه مصدر، وهذا ليس بصحيح؛ لأنَّه لا يقال