من أوهام جهَّال العرب، وبيان ذلك أنهم كانوا يعتقدون أن المريض إذا دخل في الأصحاء أمرضهم وأعداهم، وكذلك في الإبل، فنفى النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك وأبطله، ثم إنهم لما أوردوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - الشبهة الحاملة لهم على ذلك حين قالوا: فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيجيء البعير الأجرب فيدخل فيها فيجربها - قطع حجتهم وأزاح شبهتهم بكلمة واحدة، وهي قوله: فمن أعدى الأول؟ ، ومعنى ذلك أن البعير الأجرب الذي أجرب هذه الصحاح - على زعمهم - من أين جاءه الجرب؟ أمن بعير آخر فيلزم التسلسل؟ أو من سبب غير البعير فهو الذي فعل الجرب في الأول والثاني وهو الله تعالى الخالق لكل شيء والقادر على كل شيء؟
وهذه الشبهة التي وقعت لهؤلاء هي التي وقعت للطبائعيين أولًا وللمعتزلة ثانيًا؛ فقال الطبائعيون بتأثيرات الأشياء بعضها في بعض وإيجادها إياها وسموا المؤثر طبيعة، وقالت المعتزلة بنحو ذلك في أفعال الحيوانات والمتولدات، وقالوا: إن قدرهم مؤثرة فيها بالإيجاد، وإنهم خالقون لأفعالهم مستقلون باختراعها. واستند الكل ممن ذكر للمشاهدة الحسية، وربما نسبوا منكر ذلك إلى إنكار البديهة، وهذا غلط فاحش، وسببه أنهم التبس عليهم إدراك الحس بإدراك العقل، فإنَّ الذي شاهدوه إنَّما هو تأثير شيء عند شيء آخر، وهذا حظ الحس، أما تأثيره فيه فلا يدرك حسًّا بل عقلًا، فإنَّ الحس إنما أدرك وجود شيء عند شيء وارتفاعه عند ارتفاعه، أما إيجاده به فليس للحس فيه مدخل، فأما المتقاربات في الوجود على حالة واحدةٍ فالعقل هو الذي يفرق، فيحكم بتلازم بعضها بعضًا عقلًا ويحكم بتلازم بعضها بعضا (١) عادة مع جواز التبدُّل عقلًا، ولقد أحسن من قال من العقلاء النظار الفضلاء: إياك والانخداع بالوجود والارتفاع!