للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والشؤم نقيض اليمن، وهو من باب الطيرة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: لا طيرة، إنما الشؤم في ثلاثة: المرأة، والفرس، والدار، وقد تخيل بعض أهل العلم أن التطيُّر بهذه الثلاثة مستثنى من قوله لا طيرة وأنه مخصوص بها، فكأنه قال: لا طيرة إلا في هذه الثلاثة، فمن تشاءم بشيء منها نزل به ما كره من ذلك. وممن صار إلى هذا القول ابن قتيبة، وعضد هذا بما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: الطيرة على من تطيَّر (١)، وقال أبو عبد الله: إن مالكًا أخذ بحديث الشؤم في الدار والمرأة والفرس وحمله على ظاهره ولم يتأوَّله، فذكر في كتاب الجامع من العتبية (٢) أنه قال: ربَّ دار سكنها قوم فهلكوا، وآخرون بعدهم فهلكوا - وأشار إلى حمل الحديث على ظاهره. ويعضد هذا حديث يحيى بن سعيد قال: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، دار سكنَّاها والعدد كثير والمال وافر، فذهب العدد وقلَّ المال (٣)! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوها ذميمة (٤).

قلت: ولا يظن بمن قال هذا القول أن الذي رخص فيه من الطيرة بهذه الأشياء الثلاثة هو على نحو ما كانت الجاهلية تعتقد فيها وتفعل عندها، فإنَّها كانت لا تقدم على ما تطيرت به ولا تفعله بوجه بناء على أن الطيرة تضر قطعًا، فإنَّ هذا ظن خطأ، وإنما يعني بذلك أن هذه الثلاثة أكثر ما يتشاءم الناس بها لملازمتهم إياها، فمن وقع في نفسه شيء من ذلك فقد أباح الشرع له أن يتركه


(١) رواه ابن حبان (٦١٢٣) من حديث أنس.
(٢) "العتبية": نسبة إلى مصنِّفها فقيه الأندلس: محمد بن أحمد العتبي القرطبي (ت ٢٥٤ هـ) وهو مسائل في مذهب الإمام مالك.
(٣) في (ج ٢): فقل العدد، وذهب المال.
(٤) رواه البيهقي (٨/ ١٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>