للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويستبدل به غيره مما تطيب به نفسه ويسكن له خاطره، ولم يُلزمه الشرع أن يقيم في موضع يكرهه أو مع امرأة يكرهها، بل قد فسح له في ترك ذلك كله، لكن مع اعتقاد أن الله تعالى هو الفعَّال لما يريد وليس لشيء من هذه الأشياء أثر في الوجود، وهذا على نحو ما ذكرناه في المجذوم. فإن قيل: فهذا يجري في كل متطير به، فما وجه خصوصية هذه الثلاثة بالذكر؟ فالجواب ما نبَّهنا عليه من أن هذه ضروريَّة في الوجود ولا بدَّ للإنسان منها ومن ملازمتها غالبًا، فأكثر ما يقع التشاؤم بها فخصَّها بالذكر لذلك، فإن قيل (١): فما الفرق بين الدار وبين موضع الوباء؟ فإنَّ الدار إذا تطير بها فقد وسع له في الارتحال عنها، وموضع الوباء قد منع من الخروج منه! فالجواب ما قاله بعض أهل العلم: إن الأمور بالنسبة إلى هذا المعنى ثلاثة أقسام؛

أحدها: ما لم يقع التأذي به ولا اطَّردت عادة به خاصة ولا عامَّة، لا نادرة ولا متكررة، فهذا لا يصغى إليه، وقد أنكر الشرع الالتفات إليه، كلقي غراب في بعض الأسفار، أو صراخ بومة في دار، ففي مثل هذا قال صلى الله عليه وسلم: لا طيرة (٢) ولا تطيَّروا، وهذا القسم هو الذي كانت العرب تعتبره وتعمل عليه مع أنَّه ليس في لقاء الغراب ولا دخول البومة دارًا ما يشعر بأذى ولا مكروه، لا على جهة الندور ولا التكرار.

وثانيها: ما يقع به الضرر ولكنه يعمُّ، ولا يخص ويندر، ولا يتكرر، كالوباء، فهذا لا يقدِّم عليه عملًا بالحزم والاحتياط، ولا يُفَرُّ منه لإمكان أن يكون قد وصل الضَّرر إلى الفارِّ فيكون سفره سببا في محنته وتعجيلًا لهلكته كما قدمناه.


(١) ما بين حاصرتين سقط من (ع).
(٢) سبق تخريجه قبل قليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>