للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِن شَرِّهَا فَإِنَّهَا لَن تَضُرَّهُ، فَقَالَ: إِن كُنتُ لَأَرَى الرُّؤيَا أَثقَلَ عَلَيَّ مِن الجَبَلٍ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَن سَمِعتُ بِهَا الحَدِيث فَمَا أُبَالِيهَا.

زاد في رواية: وليتحول عن جنبه الذي كان عليه.

ــ

الرؤيا قد تجيء بمعنى الرؤية، وحمل عليه قوله تعالى: {وَمَا جَعَلنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَينَاكَ إِلا فِتنَةً لِلنَّاسِ} وقال: إنما يعني بها رؤية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الإسراء لما أراه من عجائب السماوات والملكوت، وكان الإسراء من أوله إلى آخره في اليقظة. وقد ذكرنا هذا في باب الإسراء من كتاب: الإيمان.

والحُلم - بضم الحاء، وسكون اللام - مصدر حَلَمت - بفتح الحاء واللام - إذا رأى في منامه رؤيا، وتُجمع على أحلام في القلَّة، وفي الكثرة حلوم، وإنَّما جمع وإن كان مصدرًا لاختلاف أنواعه، وهو في الأصل عبارة عما يراه الرائي في منامه حسنًا كان أو مكروها. وأراد به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هنا ما يكره، أو ما لا ينتظم، على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

فأمَّا الحِلم - بكسر الحاء -، فهو مصدر حَلُمَ - بضم اللام- يَحلِمُ: إذا صفح وتجاوز حتى صار له ذلك كالغريزة. وتحلَّم: تكلف الحلم. والحَلم - بفتح الحاء - هو فساد الإهاب من الدباغ، وتثقيبه فيه، يقال منه: حَلِم الأديم- بكسر اللام - يحلم - بفتحها -: إذا صار كذلك.

وقد اختلف الناس في كيفية الرؤيا قديمًا وحديثًا، فقال غير المتشرعين أقوالًا كثيرة مختلفة، وصاروا فيها إلى مذاهب مضطربة قد عَرِيت عن البرهان فأشبهت الهذيان. وسبب ذلك التخليط العظيم: الإعراض عما جاءت به الأنبياء من الطريق المستقيم.

وبيان ذلك: أن حقيقة الرؤيا إنما هي من إدراكات النفس، وقد غُيِّب عنا علم حقيقتها. وإذا لم يعلم ذلك لعدم الطريق الموصل إليه؛ كان أحرى، وأولى ألا نعلم ما غيب عنا من إدراكاتها، بل نقول: إنا لا نعلم حقيقة كثير مما قد انكشفت لنا جملته من إدراكاتها، كحس السمع، والعين، والأذن، وغير ذلك، فإنا إنما نعلم منها أمورًا جملية، لا تفصيلية، وأوصافًا لازمة، أو عرضية، لا حقيقية، وسبيل العاقل ألا يطمع في

<<  <  ج: ص:  >  >>