للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المقصودة به. وقد وقعت لبعض الكفار منامات صحيحة صادقة، كمنام الملك الذي رأى سبع بقرات، ومنام الفتيين في السجن، ومنام عاتكة (١) عمَّة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونحوه كثير، لكن ذلك قليل بالنسبة إلى مناماتهم المخلطة والفاسدة، فهذا هو الأمر الأول.

وأما الأمر الثاني: وهو اختلاف عدد أجزاء النبوة التي جعلت رؤيا الرجل الصالح واحدا منها: فاختلفت الرواية فيه من ستة وعشرين إلى سبعين، كما قد ذكرناه، وأكثرها في الصحيحين، وكلها مشهور فلا سبيل إلى أخذ أحدها، وطرح الباقي، كما قد فعل أبو عبد الله المازري، فإنَّه قد يكون بعض ما ترك أولى مما قبل إذا بحثنا عن رجال أسانيدها، وربما ترجَّح عند غيره غير ما اختاره هو، فإذًا: الوجه الذي يتعيَّن المصير إليه أن يقال: إن هذه الأحاديث - وإن اختلفت ألفاظها - متفقة على أن الرؤيا الصالحة من الرجل الصالح جزء من أجزاء النبوة. فهذه شهادة صحيحة من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لها بأنها وحي من الله تعالى، وأنها صادقة لا كذب فيها. ولذلك قال مالك وقد قيل له: أيفسر الرؤيا كل أحد؟ فقال: أيلعب بالوحي؟ ! وإذا كانت هكذا فتعيَّن على الرائي أن يعتني بها، ويسعى في تفهُّمها، ومعرفة تأويلها، فإنَّها إما مبشرة له بخير، أو محذرة له من شر، فإنَّ أدرك تأويلها بنفسه، وإلا سأل عنها من له أهليَّة ذلك، وهو اللبيب الحبيب. ولذلك كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول إذا أصبح: هل رأى أحدٌ منكم الليلة رؤيا فليقصها، أعبرها له؟ (٢)، فكانوا يقصُّون عليه، ويَعبُرُ. وقد سلك أصحابه [ذلك المسلك في حياته، وبعد وفاته، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقتبس] (٣) الأحكام من منامات أصحابه، كما فعل في رؤيا الأذان، وفي


(١) انظر: سيرة ابن هشام (٢/ ٦٠٧)، وتاريخ الطبري (٢/ ٤٢٨).
(٢) رواه أحمد (٥/ ١٤)، والبخاري (١٣٨٦).
(٣) ما بين حاصرتين سقط من (م ٢) و (م ٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>